حتى لو بقي الوزير الجيبوتي ساكتا فإنه سيحمل معه كل إشارات الاستفهام أينما ذهب، ليس لأنه يعترف بـ"دولة إسرائيل" فهذا الأمر هو نتيجة لنظر إلى الأمور من "مضيق باب المندب"، بدلا من رؤيتها وفق رحابة البحر المتوسط.

لكن "الوزير" فتح أمامي صورة هي أكثر من "كوميديا" يمكن عرضها على شاشات الفضائيات، لأن صمته طوال فترة المؤتمر الصحفي كانت تنذر بأنه ينتمي لعالم آخر.. عالم يحمل جملة من "الجمل الجاهزة" أو الهزء بمن لا يقفون عند رأيه سواء قال "دولة إسرائيل" أو لم يقلها، فالغضب على ما يبدو غريب عن ثقافته، والدم الحار تركه منذ انتهاء صراعه مع أثيوبيا، وكان بالإمكان أن يتوقف ولو للحظة ليقرأ القلق الصحفي الذي ملئ القاعة بالأسئلة والمخاوف والاحتمالات، لكن الوزير كان يقف عند احتمال واحد: الهدوء الذي يريد استرجاعه بدلا من زخم النقاشات الدائرة في القاهرة.

مشكلة الوزير الجيبوتي أنه ليس وحيدا، لكن التقدير السياسي يمنع الكثيرين من استخدام مصطلحاته، أو نقلها بصراحة كما فعل هو، على الأخص عندما خاطب الصحفي صاحب السؤال: تأسف كما تشاء!!! فأسف الصحفي ليس قضية ذاتية لأنه مرتبط بالعلاقة المتبادلة مع سعادة الوزير أو مع السياسة ككل.

من زاوية هذه العلاقة فإن التناقض الصارخ بين عمرو موسى والوزير الجيبوتي كان يوضح أن العرب يعيشون أزمنة مختلفة، فهناك زمن الدم الحار في محيط القضية الفلسطينية، والزمن الرمادي الممتد إلى مساحة أوسع تشمل بعض "الصحارى" العربية، وأخيرا زمن "القرن الأفريقي الذي يتوه بحرب ليست مرتبطة بجيبوتي لكنها على الأقل تحمل نفس المناخ، فكيف يمكن لهذه الأزمنة أن تتوافق وتضع تعاملا قويا تجاه ما يحدث في منطقة "الدم الحار"؟!!

هذا السؤال يضع أيضا إشكالية التوافق العربي على محك اختلاف الأزمنة، لأن الأزمة كما تبدو تأخذ أبعادا مختلفة كلما انتقلنا جنوبا.. ليس فقط في نوع البحث عن الاعتراف بـ"دولة إسرائيل" بل أيضا في إطار التفكير في "التسوية" كما يتم الادعاء بها سواء في أنابوليس أو ما قبلها.

علينا أن نشكر الوزير الجيبوتي لأنه على الأقل نبهنا إلى إشكالية التفاوت في مسألة التعامل العربي، وإلى أن الإستراتيجية العربية من الصعب البحث عنها في إطار تشكيل مسارات لا نعرف إلى أين يمكن أن تصل.