لا جديد... مجرد عيد يخطف الكلمات، بينما تسرق مدينة الخليل البصر مني ثم تطوق الذاكرة بشيء من الحنين، فالأسى يتكرر لكن القدرة على القفز ومغالبة الموت هي في النهاية إبداع فلسطيني، فالجميع يعرف أن أول أيام العيد يشهد غسل الذنوب، لكن الخليل تذكرني بأننا ملوثون حتى الثمالة، ومحاصرون بزيف الثقافة أو الدين أو السياسة قبل أن يصبح الاحتلال واقعا يطوق المدينة...

في الخليل لا يمكنني أن أظهر بالرداء الأبيض، ولا حتى بما يستر العورة، لأن عوراتنا ظاهرة على الوجوه، وهي تكلل الرأس "بكرم العهر" الذي يقدم كل يوم على مساحة العالم العربي، وتحتضنه "نيويورك" أو تغتصبني العواصم، فلا أعرف إلى أين أدير وجهي إلى غزة هاشم أم إلى "الخليل" التي كونت وجه للبشرية على امتداد السنوات...

ربما علي أن أبقى مقيدة إلى الصورة التي بقيت لشوارع فقدت تاريخها، أو حاصرتها ثقافة الاجتياح والفتح والاحتلال، فأصبحت أسيرة الماضي الذي يحرقها، فيأتي عيد ويرحل ومدينة الخليل تطوف على وجهي المكسر، ثم تستريح في أقرب نقطة للقلب بعد أن أصبحت "حواجز التطبيع" ميزة الزمن الذي يطاردنا.

ولكنني أحتاج لأكثر من "المستوطنين" حتى أغرق في حزني صبيحة العيد، لأن فلسطين بطبعها تحمل الدموع والفرح، وتقدم الأنبياء والشهداء، ثم تكتم صرختها لأن زمن الحصار يحتاج لوجوه جديدة، ولحج جديد ينطلق في مساحة لا تعرف الرمل وقحط الصحراء، وربما لم تسمع يوما باستبدال الدم بالبترول، أو برفع صور من "طال عمرهم" بدلا من وجوه الشباب الذين انفصلوا عنا في لحظة صدق.

في الخليل ينتهي العيد في ظهري مثل السهم الذي أسقط "حمزة" أو "ابتلع" تموز أو اصطاد المقاومين على امتداد عقدين باغتيالات لم تنته بعد، فالمدينة ليست رمزا بل استمرار الحياة، واكتمال الخصب فيها رغم وجود المستوطنين الذين يحاولون طمس سيرة عشتار وتموز وصلاح الدين وديك الجن وكل التاريخ العالق على صدورنا.

لمدينتي التي لم أحيا فيها يوما لكنها بقيت في حلمي المستمر، أو أملي الذي يتقطع على إيقاع "الاستباحة" سأقدم "باقة حصار" جديدة أعلقها في العيد كعنوان لموت مؤجل سيجرف معه كل المرتبكين داخل "التسوية" أو "السلام" أو المبادرات المغروسة في جسدي، فالخليل تعانق الجميع في دمشق، وتقبل جرح بغداد، وترسم فوق بيروت إكليلا من الخصب، لكنها لن تذهب باتجاه الصحراء ولو كان حجا لأنها تكره الحصار.