رغم عدم "التأكيد" الرسمي لتوقف "المفاوضات" غير المباشرة بين سورية و "إسرائيل"، لكن الخبر الذي تم تناقله عبر وكالات الأنباء هو في النهاية أمر واقع على الأقل وفق سير الحدث السياسي والعسكري في غزة، فالمسألة بالنسبة لهذه "المفاوضات" لا يرتبط فقط بعدوانية "إسرائيل" بل أيضا بسعيها اليوم لتبديل المعادلة بالنسبة للمفاوض الفلسطيني من خلال محاولتها لشطب طرف في المعادلة، وهو أمر جربته سابقا في لبنان، لكنه في غزة يأخذ واقعا مختلفا، لأنه يدخل الأطراف العربية "المعتدلة مجازا" في عملياتها العسكرية وبشكل مباشر.

والموقف السوري ربما يبدأ اليوم بقراءة المرحلة التي تريدها "إسرائيل" حتى ولو لم تتحقق، فالحرب على غزة أضافت عاملين أساسيين هما "الموقف الرسمي المصري" وموقف "الرئيس عباس" حيث أصبحا طرفا في الحرب بحكم التعامل السياسي مع المجزرة التي تحدث، وهذا الأمر سينعكس سريعا على الموقف التفاوضي السوري مهما كانت نتائج هذه الحرب لسببين:

 الأول هو الاتهامات الإسرائيلية الدائمة، وربما الشروط التي يضعها "قادة إسرائيل" أمام دمشق بشأن ما يسمونه "المنظمات الإرهابية" الموجودة في سورية، وقبل الحرب الأخيرة على غزة بدأنا نسمع بعض التحليلات التي تتحدث عن أن الدعم السوري للمقاومة هو الذي دفع الأمور باتجاه المفاوضات غير المباشرة، وما يجري اليوم يهدف إسرائيليا على الأقل لتغيير موقع أي "مفاوض"، وربما إنهاء التعامل السوري المبني على تعدد الخيارات في حال عدم التوصل للتسوية.

 الثاني هو الضجة الإعلامية التي أثارها الإعلام قبل الحرب على غزة بعد التصريحات السورية بشأن "الانتقال" من المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة في حال حصل أي تقدم، والواضح أن مجموع التفسيرات التي تم إطلاقها ارتبطت بالعوامل التي ستأثر على "التسوية" بما فيها الطرف الفلسطيني الموجود في سورية سياسيا وجماهيريا. فالحرب على غزة من "وجهة النظر الإسرائيلية" هي تثبيت لأمر واقع تجاه دمشق، فإذا استطاعت "إسرائيل" تبديل المعادلة الفلسطينية داخليا فإن شطب "حق العودة" سيصبح "ناجزا" وعندها لن يكون هناك مشكلة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي لاعتبار أن اللاجئين ليسوا مؤوليتها.

قبل الحرب كانت هناك معلومات تتطاير في الصحف العربية والأجنبية حول مسألة حق العودة، وحول رؤية الرئيس عباس لهذا الموضوع، وفيما لو استطاعت "إسرائيل" تعديل المعادلة الفلسطينية فإنها حكما ستحول مسألة "السلام" تجاه مسار جديد ينهي الكثير من الأمور التي يتم قراءتها اليوم على أنها حقوق، لتصبح في مساحة "النسيان" بالنسبة للسياسة العربية "المعتدلة" على أقل تقدير... لكن الأمور ووفق التجربة الطويلة لهذا الصراع ربما لا تسير بهذا الشكل، لأن الحرب اليوم ليست على حماس بل أيضا على خيار المقاومة" وهو خيار اجتماعي أولا وأخيرا...