الصعوبات التي يمكن أن تعقد مسار جنيف2 لا تبدو حتى اللحظة واضحة، رغم أن مؤشراتها تتسارع وعلى الأخص لجهة "التمثيل" لطيف من المعارضة، إضافة لمسألة "الشرعية السياسية" التي ستكون على الأغلب محور بحث خلال الأيام القادمة، فالطريق إلى التسوية يمر في هذه اللحظة من بوابة "الشرعية" التي بقيت تائهة طوال عامين ونصف، فاختصرت بداية بـ"الشعب يريد"، وهي شعار يختصر المجتمع ويناقض الديمقراطية ببدهياتها، وانتهى إلى البحث عن "شرعية دولية" يمكن منحها بغض النظر عن "نسبية التمثيل".

لنحاول إعادة صياغة مؤتمر جنيف باعتباره "لحظة سياسية" تلخص موازين القوى، وهنا لا بد من تسجيل مجموعة ملاحظات:

  أولا: أن فكرة "جنيف" ثبتت الشراكة الروسية في تكوين القرار الدولي، حيث كان المؤتمر الأول دون حضور الطرف السوري، وهو ما يؤشر إلى أن التسوية هي خطوط استراتيجية أساسية لرسم الأدوار الإقليمية.

لافروف
جنيف2 بحضور الطيف السوري

  ثانيا: الذهاب باتجاه جنيف2 كان إعادة لتكوين الصراع، فهو طريق انهيار الأدوار الإقليمية التي اتخذت شكلا محوريا منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، ولم يكن الأمر مجرد عملية "استبدال" بل انزياح في نوعية الاستراتيجيات المرسومة تجاه المنطقة.

  ثالثا: كان مبدأ "الشرعية" حاضرا في "البحث عن "جنيف2"، فطوال عامين بقي الحديث عن أن "النظام يحاور نفسه"، وذلك في رفض كامل لأي قوى سياسية يمكن أن تتمايز عن السلطة السياسية في دمشق، وكان "الائتلاف الوطني" يشكل ذروة الاحتكار لهذه الشرعية.
  رابعا: يبدأ الآن صراع مختلف بشأن الشرعية، فبينما تتجه دمشق إلى إعطائه صفة تمثيلية للقوى السياسية، يذهب الاتجاه الآخر لمنح "شرعية التمثيل" إلى التمايز في الموقف السياسي، وبهذه الصورة يبدو من الصعب أن يكون "جنيف2" محطة لبناء رؤية، فهو يبدو مجابهة على الصعيد الداخلي بشأن "المواقف السياسية"، وخارجيا في تحقيق اقتسام استراتيجي داخل سورية.

وبغض النظر عما يمكن أن يكون عليه مؤتمر جنيف2، لكنه يشكل على المستوى الداخلي تحد حقيقي برز على الأقل في محاولة التمرد المسلح على سحب "الشرعية" من الائتلاف، وظهور صراع عنيف للاستحواذ على "الجغرافية"، في وقت لا تبدي القوى السياسية الداخلية توجهات واضحة نحو اتخاذ مسار بشأن أمرين أساسيين: الأول هو رسم طبيعة التكوين السياسي القادم، فالتصور لسورية يبدو صعبا جدا في ظل الصراع الدولي، وهو ما يدفع لبحث جدي من أجل خلق هذا التكوين على صورة "الاستقلال الجديد"، وهو ما يمكن أن يحول الصراع الداخلي إلى سعي لحجز المساحة الخاصة لسورية وسط اختلاط مصالح الدول الكبرى.

في شرعية التمثيل القادم ربما علينا نسيان "الرموز الإعلامية" لأن المعركة الداخلية هي معركة أفكار سياسية لانتشال سورية من كارثة "المحاصصة" التي يمكن أن "تشل" أي دور قادم لها، وهي أيضا معركة "رؤية" لتبديل المسار الاستراتيجي الذي يبدو اليوم أنه غارق ما بين موسكو وواشطن، فما بعد الأزمة هو الأخطر بالنسبة للسوريين حتى ولو بدا أنه نهاية مأساة ومعاناة، لأن الكارثة الحقيقية أن ننتصر على العنف وفي المقابل نخرج من تاريخ المنطقة كليا.