معارك الشمال الشرقي في سورية لا يمكن التعبير عنها بتصريحات سياسية أو حتى لقاءات ما بين ما يطلق عليه "الائتلاف الوطني" وبعض التشكيلات الكردية، فهذه المنطقة التي امتلكت أقوى احتكاك حضاري عبر التاريخ، ربما ترسم اليوم ملامح لتصورات المسألة الكردية، ليس على الصعيد السوري فقط، بل أيضا على المستوى الإقليمي، وإذا كانت تصورات بعض الأطراف وعلى الأخص "الائتلاف" تضع الموضوع في إطار "العنف" فقط، لكن الأمر يتشكل كـ"ظاهرة" منذ بداية الأزمة وحتى اليوم.

المسألة الكردية ومن خلال تفاصيل الأزمة ظهرت وفق القلق العام من التكوين السوري الذي يتم رسمه على ايقاع الحدث، فالهموم الأساسية كانت واضحة في حراك يكرس ذاته ضمن المجتمع بدلا من خلق تحولات لا تحمل أفقا استراتيجيا على سياق ما قامت به تشكيلات مثل "المجلس الوطني" أو "الائتلاف الوطني"، ورغم أن السوريين الأكراد لم يكونوا بعيدين عن التشكيلات السياسية في الخارج والداخل، لكن الواضح أن قلق الأزمة كان أوضح بكثير لدى فصائلهم السياسية، وأن صراع "السلطة" لم يكن هاجسا لأن الهم الأساسي كان التكوين السوري الذي كان يواجه ذاته في لحظات حرجة.

عمليا فعندما نتحدث عن "ظاهرة" في المسألة الكردية فإننا نعني إطارا يطرح طريقة تفكير جديدة، ربما تتبلور في الصراع القائم اليوم إذا أدرك السياسيون في سورية أن هذه المسألة وجدت نفسها وبشكل سريع ضمن صراع الحفاظ على الواقع "الجيوبولتيكي" لسورية في مواجهة سعي دول الإقليم لجعل سورية جغرافية مرنة لا يتم اختراقها فحسب بل بناء ثقافتها من جديد، فإطار التفكير يحمل عاملين أساسيين:

 الأول أن الأكراد ليسوا فقط أبناء الجغرافية السورية بل هم صُناع تاريخ فيها (صلاح الدين الأيوبي)، وعاملون في رسم استقلالية لسياستها (ابراهيم هنانو)، وأخيرا مؤثرون على التوازن الإقليمي المحيط بها (عبد الله أوجلان)، وهذه المعطيات الموجود والمعروفة سابقا دخلت خلال الأزمة في فعل تاريخي عليه استعادة التفاعل العام على المستوى السوري لرسم الرؤية القادمة أو حتى لوضع ملامح الخروج من الأزمة.

 الثاني أن النموذج القائم حاليا في الشمال الشرقي لسورية يمكن أن يؤثر على التكوين الإقليمي للأكراد، فالمسألة ليست فقط صياغة إقليم كما في شمال العراق، بل الدخول في تعريف لما نفهمه من الشرق الأوسط الجديد، وذلك على خلاف الرسم الأمريكي الذي يهوى إنشاء دول مغلقة بحدودها، فالشرق الأوسط يمكن ان يظهر على تحولات جيوستراتيجية، ففهم المسألة الكردية على ضوء الحدث السورية يمكن أن يفتح آفاقا لتشكيل محور يواجه الخلل الاستراتيجي للمنطقة منذ ظهور الكيان الإسرائيلي.

ربما على إيقاع القسوة والعنف تتضح آفاق سياسية مختلفة تجب قراءتها بدلا من تركها تتفاعل دون بحث جدي في العوامل السوري التي تداخل وأعطت صورة مختلفة لكل التكوين السوري.