هواية غريبة ومتعبة، لكن مسألة التفكير بالضوء او ملاحقته تبدو في النهاية نوعا من الاحتراف، ففي كل لحظة يمكن أن نتعامل بها مع الحياة ستظهر مسألة الضوء أساسا في إعادة فهمنا لما نراه، وحتى لو اضطررت للجعل الكلمات متراصة أكثر أو مخلخلة فإنني أبقى أبحث عن ضوء يريد أن يسرب، سواء من "وثائق ويكيليكس" أو حتى من منافذ نجهلها لكنها موفرة وتستطيع ان تنقلنا إلى عوالم مختلفة.
في كل ما ما نشهده اليوم خبرات مهدورة لا نريد تجميعها، فالعالم يقدم صورة مشتتة وتحتاج إلى تركيب، وهو ليس مجرد عملية تصنيف اعتيادية، بل محاولة أيضا لاختراق كل المناهج والأنظمة الفكرية التي يبدو أن لم تعد تستطيع تحمل "القفزات" التي يحدثها الفكر الإنساني أحيانا او التقنيات التي أصبحت مدمرة.
ما الفائدة اليوم من إعادة الكتابة بشكلها التقليدي، أو من التعامل مع المظاهر الإنسانية وكأنها معضلة بعد أن "تفوقنا" على أنفسنا في كل شيء... في التدمير والعبث، أو في تجاوز المعقول بالعلم، أو حتى في العلاقات التي تبدو على طرفي نقيض ما بين انفتاح مذهل وانغلاق كاملا، لكن هناك من يريد لنمطية التفكير أن تبقى سائدة، وللتحليل والتركيب أن يستمر على نفس المنوال وكأننا نعيش في الزمن "المستقيم"، بينما يمكننا اليوم الدخول لمجال مختلف ولحياة يمكن أن تفاجئنا.
أبحث في كم الأخبار القادم باتجاه العقل، أو تلك الأحداث التي تلامس الوجه، أو حتى الأدب الذي أصبح نوعا من المداعبة، وأشعر أن القضيا التي نحملها لم تعد سوى هموم عابرة، وأن الكلام يحتاج إلى أحرف جديدة، أو أبجدية من الضوء فقط حتى أستطيع التعبير عن حالة تبدو أكثر من استثنائية، فإذا ظهرت الكلمات فإنني أعشق تكسيرها كي يمكنني التفكير من جديد بجمل مختلفة أو بمصطلحات فادرة على الأقل على ملامسة السرعة التي يتحول بها العالم تارة وينغلق على نفسه تارة أخرى.
أكثر ما أذهلني في "ويكيليكس" هو حجم القضايا التي تصب في الخارجية الأمريكية، وأنا متأكدة أن تحليل هذه الأمور ليس مهما لأن المقلق درجة التكاسل التي نسير بها في زمن يتم فيه رصد الومضة التي تظهر في أي عين تشاهد ما يعجبها، فعندما نعرف أننا مكشوفون لدرجة "العري" يصبح الحدث اليومي مملا، وتغدو الوقاحة التي يمكن أن نتعامل بها الكشف الذي يحدث هو الأساس الذي يمكن أن ننطلق منه.
بالطبع كنا مكشوفين دائما، لكننا اليوم نُلطم بهذا الكشف وندرك ان الكلام العادي هو نفسه في أروقة السياسة، وأن قضايا النخب السياسية والثقافية والمالية والاجتماعية هي "الخدعة الكبرى" التي أوجدناها، لكنها تنهار في اللحظة التي يقرر فيها أي شخص تسجيل انطباعاته على المجال الافتراضي".... فهل هناك كلمات صحيحة بعد كل هذا التحول.