الكاتب : نضال الخضري

القرار الظني كغير من الكلام المحكي الذي يتسرب باتجاه الثرثرة الدائمة، فمادمنا نتحدث عن الظن فنحن امام سيل التوقعات الفلكية أو كم التصريحات من المصادر المطلعة، وفي كلا الحالتين فهناك انشغال بهذا الحجم الذي لا يتبدل من التطور في مسار الحديث، ورغم "إن بعض الظن إثم" فإنه يتحول في بلادنا حسب تصريح الوزير السعودي إلى "مخاطر".

وفي لبنان أيضا أكبر مجموعة من المصادر المطلعة ومن المتنبئين والمنجمين، وفي القدر الأكبر من السير على حافة النار، وفي النهاية ينظر وزير الخارجية السعودي إلى بيروت، وأوباما يحق في عيني الحريري، بينما يتسلى فؤاد السينيورة بابتسامته الجانبية أو بدمعة تسقط وسط مشهد مسرحي، ولكن على الطرف المقابل هناك ريح صفراء لا نعرف كيف يمكن أن نردها.

كان نزار قباني يعتقد "أن الحب في بيروت.. مثل الله في كل مكان"، فهل تغيرت تلك الرؤية؟ وهل أصبحت "بيروت والحب والمطر" مجرد قصيدة خارجة عن القانون تماكما كما أرادها نزار قباني؟ والأسئلة لا تنتهي بالنسبة لمن يحاول أن يبقي العشق غير مروضا والسياسة مغامرة كبرى والفكر اختراقا يشبه لحظة الاقتحام في الجنس أو الموت، لكننا نريد أن تبقى تلك الفوضى على حالها لأن لبنان هي المساحة الوحيدة التي يأمل الجميع الوقوف عليها ومخاطبة الآخرين.

بالنسبة للقرار الظني هو دافع لليقين بأن لبنان ربما سأم المستثمرين، أو استطاع أن يحول الصورة التي اعتدناها لثوار قادرون على التواجد إلى مقاتلين قادرين على خلق اللامعقول، ففي كل ثانية "بيروتية" هناك ملامح لمدن العالم تجتمع وتعيد رسم نفسها من جديد باتجاه الجنوب أو الشمال فتتوقف في طرابلس أو تصل رأس الناقورة، فهل هناك أحد لا يحفظ الجغرافية اللبنانية عن ظهر قلب، فبعد أن لقنتنا إياها فيروز فإن جملة العالم كان قادرا من جديد على كتابتها في ذاكرتنا، وما سقط سهوا من أغاني الرحابنه تم إعادة تشكيله في مساحة تجرح أو تجعلنا نثمل من العشق.

تكتبنا لبنان بكل الثرثرة السياسية، أو الارتجال بالمواقف أو حتى تقديم النماذج الفاشلة او الناجحة ولكنها في النهاية تنمو فوق مساحة الجسد او العقل فننشغل بها أو تشتغل بنا، وتعوم على مساحة الحلم لتخلق خيالا لا يصدق وعند لحظة الذروة نتيقن بأننا قادمون على مواجهة جديدة مع ذاتنا أو قناعاتنا أو حتى أعداءنا.

قرار يتحرج فوق الظن، ونجوم يلمعون في سماء السياسة مثل البرق فيبدو الـ"عقاب" أو الـ"صقر" وكأنها ومضة سرعان ما تغيب بينما لبنان سواء عشقناه أو كرهناه هو أرض المجازفات وحدوث ما لا يحدث واحتمالات لا يمكننا الهروب منها... ثم يقولون "قرار ظني"!!!