بالتأكيد فإن الدبلوماسية الروسية تعرف تماما طريقة التفكيك التي تحملها "المبادرة العربية" للنظام القائم، إن لم نقل لمنظومة الشرق الأوسط،
نوعية المواجهة بين موسكو ومجلس الأمن ستتبدل بشكل أو بآخر، فالولايات المتحدة وفرنسا تم تزويدهما اليوم بـ"مشروعية" مختلفة من خلال "المبادرة العربية"، وهي وإن كانت شكلا مشابها للخطة الخليجية في اليمن، لكنها في المقابل ظهرت وفق آلية سياسية مختلفة تماما، وهو ما استدعى الذهاب بها لمجلس الأمن، وهو ما يعني أن النقاشات والمشاورات تجاوزت مسألة العقوبات إلى البحث عن "إلزام" سورية بتسوية، وبالتالي فإن روسيا لن تستطيع التوقف عند حدود "العقوبات الدولية" أو التدخل الخارجي"، لأنها أمام ظرف مختلف.
بالتأكيد فإن الدبلوماسية الروسية تعرف تماما طريقة التفكيك التي تحملها "المبادرة العربية" للنظام القائم، إن لم نقل لمنظومة الشرق الأوسط، كون المبادر ة ذاتها ظهرت وستتم رعايتها من خارج الإطار الاستراتيجي الذي يستوعب سورية حاليا، لكن الورقة الذي يتم التلويح بها اليوم هي "تسوية الأزمة" وليس معاقبة دمشق، فقواعد اللعبة داخل مجلس الأمن تغيرت بشكل واضح، وعملية التسوية لا تعني بلغة الدبلوماسية بنودا صارمة بل صراع مختلف لتعديل المواقف وربما البنود للتوصل إلى توافق، مما يعني أن تلك "المبادرة" ستشهد صراعا سياسيا مختلفا، وربما سباقا على عملية "الحشد" و "التعبئة" للمعارضة السورية سواء في الخارج أو الداخل، فهل يمكن لروسيا التعامل مع هذا الموضوع داخل مجلس الأمن بشكل يوفر لها القدرة على النفاذ لعملية التسوية؟!
مشروعية التحرك الروسي ضد أي إجراء يطال سورية لا يحمل معه عوامل إقليمية فقط، فعملية تفكيك النظام السياسي مربوطة أساسا بحزمة أخرى ستساعد الولايات المتحدة في صراعها ضد إيران، وسيتم تركيب التوازن في الشرق الأوسط بشكل مختلف يبعد روسيا عن لعب أي دور، لكن التعامل اليوم مع "المبادرة" يبدو في جانبه الآخر اعترافا بالدور الروسي وليس فقط بالمصالح الروسية بالمنطقة، فـ"تسوية الأزمة" أمر مختلف تماما عن موضوع "قرارات الإدانة" أو العقوبات، وبوصول المبادرة إلى مجلس الأمن فإن هامش التحرك لتعديلها يمكن أن يصبح أوسع، ويمكن أيضا فهم الموقف الروسي الحذر الذي لم يتحدث عن هذه "المبادرة" إلا بالعموميات أو حتى بـ"الضمانات" كي لا تكون مدخلا لتدخل خارجي.
بالنسبة لموسكو فإن إمكانية التعامل مع المبادرة يتعلق بمجموعة عوامل أساسية، يبدو في أولها عامل الوقت الذي يمكن أن يتيح إجراءات تدفع للمواءمة بينها وبين "خطة الإصلاح" التي أقرتها سوريا أساسا، على الأخص أن الكثير من البنود التي طرحها الوزراء العرب تقوم بها الحكومة السورية مثل تغيير الدستور وإجراء انتخابات، ويبدو الزمن المتاح بالنسبة لموسكو أفضل من بقية الدول داخل مجلس الأمن لأنها على توافق مع الخطوات الحكومية، بينما تتعامل الولايات المتحدة وفرنسا مع دول عربية هي في الأساس جزء من الأزمة.
العامل الثاني ارتباط موسكو بحزمة تسويات، فالتصعيد الأمريكي – الأوروبي ضد سورية يسير بشكل متواز مع تصعيد مشابه ضد إيران، و حزمة التسوية" ربما لا تعني حسما لطرف ضد آخر لكنها على الأقل تبقى على "المنظومة الشرق أوسطية وفق توازن يعتمد أساسا على "القوة الحقيقية" الموجودة على الأرض لكل دولة.
بالتأكيد فإن روسيا تعرف خلفيات الرفض السوري للمبادرة، وهي في نفس الوقت تتعامل مع مساحة دولية أوسع بكثير من الأزمة السورية، ويبدو الأمر بالنسبة لها دبلوماسيا على الأقل تحويل توجهات هذه المبادرة من ورقة ضغط إلى "تسوية أزمة" دون الحاجة لتفكيك منظومة الشرق الأوسط كليا كما تريد الولايات المتحدة.