مع اتساع نطاق الاشتباكات في الشمال الشرقي لسورية، فإن "التوازن" الذي كانت تسعى إليه الولايات المتحدة عبر تصريحاتها بتسليح "التمرد المسلح" يبدو في مساحة مجهولة، فالمشهد السوري مع إصرار معظم المسلحين على إدخاله في صراع ضد السوريين الأكراد، يبدو وفق جبهات لم تكن موجودة في السابق، رغم ان العديد من مناطق الجزيرة السورية شهدت سيطرة لـ"التمرد المسلح"، لكنها اليوم تحاول إعادة رسم هذه المنطقة من جديد عبر استرجاع الصراع على طول "خط بروكسيل" (الحدود السورية – التركية).

ووفق معلومات أولية فإن عدم التركيز الإعلامي غربيا على هذا التحول في الأزمة السورية يكمن في أمرين: الأول أن إعادة الفرز داخل الأزمة السورية يمكن أن تغير من معطيات البحث عن حليف قوي داخل "التمرد المسلح"، وهو أمر جوهري في إعادة صياغة المعادلة العسكرية في سورية، والثاني اضافة عوامل تتيح لبعض الأطراف عملية ضبط تدخلها في الأزمة السورية، فدخول "الاتحاد الديمقراطي" (الكردي) بقوة في الصراع الدائر سيتيح لحكومة العدالة والتنمية التركية ايجاد مبررات في اعادة توزيع أوراقها التي تبدو اليوم في فوضى عارمة.

ويبدو التأخير في أي تحرك سياسي وعلى الأخص في تحديد موعد لمؤتمر "جنيف 2" مرتبط بالتطورات الأخيرة، فتبديل قاعدة الحلفاء بالنسبة للولايات المتحدة أمر أساسي، وحسب تقارير من العاصمة الروسية فإن المشهد السوري يستند اليوم على ثلاث نقاط رئيسة:

 إمكانية صياغة دور سعودي يفترض أن يشكل بذاته رهانا على تحولات كبرى في الشرق الأوسط، فالرياض تعتبر اليوم الحاضن الأساسي لكافة التحولات، دون أن يعني هذا الأمر قدرتها على التأثير القوي في هذه التحولات، ويمكن اعتبار زيارة الأمير بندر بن سلطان،الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي، إلى موسكو مؤشرا على إعادة صياغة الدور السعودي من جديد، ووفق توافقات أمريكية روسية لم تحدد بعد، فحتى اللحظة مازال هناك تناقض ظاهري ما بين موقف المملكة من التسليح والمناخ الدولي الذي يعتبر أن الأزمة السورية لم تعد يحكمها زيادة السلاح أو الرهان على طرف عسكري لكسب الصراع.

 حسابات موسكو وبكين التي حققت الامتيازات الدولية التي تريدها من خلال الأزمة السورية، فهناك حسابات دولية مختلفة تماما تجاه هاتين القوتين، كما استطاعت الدولتين تبديل معادلة اتخاذ القرارات الدولية التي سيطر عليها المنطق الأمريكي لعقدين متتالين، فالخرائط التي ظهرت نتيجة حرب البلقان لم تعد ممكنة، وبالتالي فإن العبث بالأمن المباشر لروسيا أصبح أيضا صعبا، وبالنسبة للصين فإن أمنها سواء باتجاه كوريا أو "مينمار" بات يستند لآلية دولية متشددة ولا يحكمها "مزاج سياسي" أوروبي أو غربي.

 النقطة الثالثة مرتبطة بالولايات المتحدة وبطريقة رسمها للشرق الأوسط، فهي ربحت على الأقل موضوع إعادة توزيع الأدوار، وكسب أيضا خلق إرباك دائم لـ"جبهة إيران" من خلال الأزمة السورية، والمعضلة أن حسابات إنهاء الصراع ستكون حاسمة طالما أن السلطة السياسية السورية لم تخسر المعركة وبقيت جزء من مسألة الأدوار القائمة، وهو ما يجعل واشنطن غير مستعجلة بمسألة الحل السياسي، لأن المهم بالنسبة لها هو نوعية "المعادلة الشرق أوسطية" القادمة، وبالتالي انتظار مزيد من الفوضى يحسن أوراقها السياسية.

الواقع السياسي وفق النقاط السابقة لم يحسم نهائيا بعد، وهو ما يجعل معارك الشمال الشرقي لسورية هامة، ففي الوقت التي تؤكد فيه موسكو على إشراك السوريين الأكراد في أي مؤتمر قادم، تبدو واشنطن مرتاحة لظهور جبهات جديدة تساعدها على خلق اختراقات للمعارضة وإعادة فرز القوى فيها بشكل جديد، والأمر الأكيد اليوم أن العامل الكردي في سورية سيدخل مرحلة تنافس ما بين القوى لكسبه أو عزله، رغم أنه أصبح جزءا من التصور القادم لسورية مهما كانت نتيجة المعارك في منطقة الجزيرة، فهو لم يتجاوز الحدود التركية قادما إلى سورية، وذلك بعكس العديد من فصائل "التمرد المسلح" التي تخوض حربا عابرة للحدود.