ما صدر عن مجلس الأمن بالأمس يشير على الأقل إلى الإرباك في الأداء الدبلوماسي، وربما إلى انواع مختلفة من الشكوك تجاه الأزمة السورية، فالمسألة لم تعد تحديد طرف مسؤول والقيام بـ"شيطنة" أفعال، وهذا ما حدث عبر ردود الفعل على مجزرة الحولة، ولكن اتخاذ إجراء ظهر مختلفا عما يمكن تسميته بتحديد "إطار الأزمة"، فالبيان اتجه نحو الحكومة السورية لكنه في المقابل وزع الإدانة باتجاه آخر، فهل هناك بالفعل تصورات داخل الزمة السورية؟!

في المقابل فإن خطورة الوضع السوري تبدو في كثرة الأوراق المطروحة، فالمسألة ليست في تعدد أقطاب المعارضة، بما فيها التكوينات المسلحة، بل أيضا في رغبة عدد كبير من الدول، إقليميا ودوليا، في استمرار هذا التعدد وتكريسه لأنه على ما يبدو هو الباب الوحيد للدخول إلى الأزمة، ولكنه في المقابل يجعل احتمال فقدان السيطرة أكبر؛ الأمر الذي يفسر العديد من التناقضات سواء في عمل المعارضة أو حتى في تحركات الدول تجاه ما يحدث.

عمليا فإن مجزرة الحولة ليست مثالا فقط لما يحدث، بل هي وضع نموذجي لـ"الحدث المركب" الذي يطفو على وضع إقليمي عام، حيث تم بناؤها على خلفية تعامل بعض الأطراف بموضوع المختطفين اللبنانيين، ورغم الغموض الذي يلف الوساطات بهذا الأمر، إلا أن السيناريو في النهاية يعبر عن أمرين:

الأول وضع القوى المحلية المسلحة على مسافة واحدة من جميع الأطراف الإقليمية، فهي لم تقم بالخطف فقط وإفشال تحرك دول تعتبر نفسها ذات وزن في المعادلة العامة للمنطقة، بل وقامت بتفجير الوضع بوجه الجميع، فالمجزرة التي جرت في الحولة، ودون التدخل بتعيين الجهة، لكنها بالتأكيد جرت نتيجة التصعيد، لتظهر بعدها تصريحات ضد القوى الدولية أيضا.

الثاني صعوبة التحكم بالاضطراب على الأخص أن السيناريو المرسوم لا يملك وفقا واضحا، فحتى عندما يتم النظر إلى الأمر على أنه يشبه النوذج اليوغوسلافي، حيث ما يسمى "الجيش الحر" يعمل بشكل مشابه لما قام به "جيش تحرير كوسفو"، إلا أن هناك طرف آخر هو روسيا يريد التعامل مع الأزمة بشكل مختلف، وعلى الطرف الآخر فإن معظم الدول العربية، وعلى عكس الأوروبيين في أزمة كوسفو، لا يظهرون أي ارتياح من السيناريوهات المطروحة.

عند هذه النقطة يمكن فهم التعقيد في وضع النموذج الدولي، الأمريكي – الأوروبي، في مساحة الشرق الأوسط، فبقدر رغبة الولايات المتحدة في إنهاء التكوين السياسي السوري، فإنها تملك شكوكها أيضا في التحكم بالأزمة لاحقا وعلى الأخص بعد التجربتين الأفغانية والعراقية.

في مجلس الأمن ظهرت الإدانة واضحة مع توجيهها إلى الحكومة السورية، لكن العبارات المضافة حول "قتل الناس رميا بالرصاص عن قرب وبنتيجة اعمال العنف الاخرى" يثير التساؤلات حول التصور النهائي لمجلس الأمن للمجزرة عموما، فبعض الدول على ما يبدو لم تعد قادرة على تحديد الطرف أو الأطراف الأخرى في الأزمة السورية!