اجاب المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية عن سؤال: هل نحن ذاهبون الى فيديرالية طوائف او دولة فيديرالية للطوائف، قال:

«لسنا ذاهبين الى فيديرالية قانونية اي تقسيمية اذا كانت الفيديرالية تقسيماً، ولكننا ذاهبون الى فيديرالية طائفية واقعية. ولعل المسألة التي فتحت هذه النافذة على الطائفية هي اتفاق الطائف لأننا نعرف ان قانون الميثاق في 1943 اعتبر التقسيم الطائفي في المواقع عُرفاً ولم يعتبره قانوناً. ولكن اتفاق الطائف اعتبره قانوناً. مما يعني ان الطائفية أصبحت جزءاً من القانون اللبناني وإذا كان هناك من يتحدث عن إلغاء الطائفية السياسية فاننا نعرف انه لم يأتِ الوقت الذي يتحدث فيه اللبنانيون عن إلغاء الطائفية السياسية. لماذا؟» اجاب المرجع نفسه:

«لأن هناك مشكلة وخصوصاً في الجانب المسيحي الذي يخشى ان يؤدي إلغاء الطائفية السياسية الى سيطرة للمسلمين باعتبار الجانب العددي في هذا المجال وخصوصاً أن عدد المسيحيين بدأ يتناقص بسبب الهجرة أو لأسباب اخرى.

لذلك فإن مسألة الغاء الطائفية السياسية تخلق حساسيات مدمرة في هذا المجال. وإذا كان قانون الانتخاب قد اوجد مثل هذه التعقيدات الصعبة والتي كادت ان تُسقط الانتخابات فكيف لو أننا طرحنا مسألة إلغاء الطائفية السياسية.

لذلك نحنُ ذاهبون الى ما أثاره الحديث السياسي الذي حين بدأ من خلال من يسمون التغييريين أو الذين يعلنون عن أنفسهم أنهم تغييريون. عندما يتحدث ان كل طائفة تبحث عن زعامتها وأن الانتخابات ركّزت الزعامة المسيحية لشخص، والزعامة الدرزية والسنية والشيعية مما يعني ان هناك فيديرالية واقعية وعملية تعمّقت داخل النسيج السياسي من أعلى الهرم الى اسفله في هذا المجال. ونحن نعرف ان البعض يتحدث عن الوطنية والديموقراطية ولكنهم ليسوا جادين في هذا المجال، باعتبار أن هذا البعض يمثل زعامة طائفية مغرِقة ولعل كل اتجاهه حين يجمع حوله بعض الافرقاء من غير طوائف هو تقوية موقعه وليس فتح الأفق اللبناني على تجمع متنوع الطوائف».

يعني ذلك اننا امام مستقبلين اما دفع الفيديرالية الواقعية التي تحدثتم عنها نحو المأسسة (تحويلها مؤسسات وقوننتها) واما الوقوع في الحرب من جديد.

علق المرجع الاسلامي الابرز على ذلك:

«أما مسألة المأسسة القانونية فهي مما لا يملكه اللبنانيون لان قضية المأسسة التي تؤدي الى التقسيم هي مسألة دولية لا محلية ولا إقليمية إذا كان البعض يتحدث عن اسرائيل أو سوريا في هذا المجال كما ان الحرب الطائفية، والحرب الاهلية إنما تنطلق ايضاً من خلال خطط خارجية. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإننا كنا نتحدث عن النادي السياسي. إن هذه الفيديرالية الطائفية تتحرك في أوساط النادي السياسي الذي ينطلق اعضاؤه من خلال مصالحهم أو أوضاعهم على اساس التأطر بالاطار الطائفي لمصالحهم الخاصة وما إلى ذلك، ولكن الشعب اللبناني ليس بهذه الخطورة فهو شعب ليس طائفياً بهذا العمق».

انتم متفائلون بالشعب اللبناني اكثر مني كي لا اقول اكثر. لكن ما نلاحظه هو ان هذا الشعب يصطف دائما وراء القيادات والزعامات صاحبة الخطاب الطائفي والمذهبي الذي هو في رأيها ارفع من الخطاب الوطني واكثر اهمية.

رد المرجع الاسلامي الابرز:

«أنا لا اتحدث عن الخطوط السياسية التي يلهث وراءها الشعب اللبناني عندما يُحاصر بالقانون الذي يُوزع المجالس النيابية والوزارية على الطوائف، أنا اتحدث عن الشعب اللبناني الذي يعيش في الجامعات والمعامل والنوادي الرياضية والثقافية والمزارع والحقول والاسواق التجارية، حيث هناك شعب لبناني واحد. لذلك فالمسألة الصحيحة ان الشعب اللبناني يُساق الى الكهوف الطائفية عندما يُراد له ان يبحث عن نوابه أو وزرائه. ثم هناك نقطة وهي التي تجعل اللبنانيين يعيشون في مثل هذه الدائرة الضيّقة وهي ربط حاجات الناس وقضاياهم بالسياسيين الذين يرجع الناس اليهم في قضاياهم. وإلا مثلاً عندما نلاحظ ان المرشحين للانتخابات يتحدثون للناس أننا سنقوم بهذا المشروع الخيري هنا وهناك فما علاقة هؤلاء بالمشاريع الخيرية للناس. إن مجلس النواب هو مجلس تشريعي وإذا كانوا يتحدثون عن الأعمال الخيرية فإنهم لا يتحدثون عنها من باب صدورها عنهم ولاسيما إذا كان الشخص الذي يعِدُ مما يملك الكثير من الاعمال الذي يمكن ان يقوم به ببعض الأعمال الخيرية، إنما هو من خلال تقديم المشاريع التي تجعل الدولة تقوم بهذه المشاريع والاعمال الخيرية».

ما تقولونه صحيح. فالانتخابات النيابية تقودها المصالح السياسية وتقود الناس. لكن الملاحظ في لبنان ان الطوائف تريد استرجاع اوضاعها او تركيزها. وهذا ما يؤكده الاصطفاف الطائفي والمذهبي الذي شهدناه اخيرا في الانتخابات النيابية. كيف نعالج ذلك؟

اجاب المرجع الاسلامي الابرز:

«ان هذا الاصطفاف موجود، وكنت اركّز عليه، وخصوصاً ان الاوساط الدينية تزيد وجوده خطورة وهكذا بالنسبة الى السياسيين، ولكن فإن كل هذا لن يفصل اللبنانيين عن بعضهم البعض... فعندما نلاحظ لبنان، فلا يزال اللبناني لبنانياً في حياته التجارية والرياضية والثقافية وهناك حتى في الجانب الثقافي اندماج، فالمثقفون اللبنانيون – وربما كانوا علمانيين – لا يفكرون بالطائفية من قريب او بعيد وهكذا، من الممكن القول ان الطائفية دخلت الرياضة أحياناً باعتبار ان هذا الفريق محسوب على هذه الطائفة وذاك على تلك، لكن المسألة مثلاً وبالنسبة إلى قضايا السوق التجارية مثلا والسوق الزراعية والصناعية نجد ان اللبنانيين يعيشون مع بعضهم، وهذا العيش هو الضمان للبنان، الضمان الذي يخفف من خطر الطائفية السياسية، لأن الطائفية السياسية لها موسم معين فعندما عشنا هذين الشهرين أجواء المرحلة الانتخابية سمعنا كلاماً كثيراً وجدالا كثيراً وعندما انتهت المرحلة الانتخابية رجع الناس إلى مواقعهم سالمين وغير سالمين فأنا اعتقد ان اللبنانيين وفي العمق يعيشون لبنانيتهم».

ما تقولونه صحيح ايضاً. لكن هناك جانب مظلم في قلوب اللبنانيين هو الجانب الطائفي وهو جاهز في استمرار للظهور والتأثير على المواقف؟

مصادر
النهار (لبنان)