هل من جدوى في استثارة الذاكرة؟!! فالمقدمة الأولى داخل التحليلات السياسية أن سورية حكمت لبنان وفقدت دورها اليوم .. والمقدمة لاستثارة الغرائز القبلية أن لبنان الحر كان يوما تحت الوصاية السورية، وهو الآن بيد أمراء السياسة اللبنانيين .. والقاعدة الضرورية لاستمرار "انتفاضة الاستقلال" هي اعتماد صور الماضي مع تفسيرات غيبية وكأن لبنان أو حتى سورية دولتان في مجرتين منفصلتين.

وعندما تصبح التحليلات تأكيد بأن سورية لم تفقد لبنان بل خسرت دورها الإقليمي، فإن القراءة تشطح بالبعض لكي يصبح الأمر أشبه بغزوات بني عبس، حيث من الضروري إثارة الاستعلاء بخصوصية لبنان وبأن الزمن الماضي خسرته من تاريخها .. ولا حاجة لاستثارة الذاكرة على امتداد نصف قرن من تاريخ لبنان وسورية .. بل لا بد من استثارة الحاضر لأن المسألة ليست حكما لدولة على أخرى أو تبعية محدودة بمسار خاص، فاستقلال لبنان بقي هاجسا منذ ميثاق 1942، وهو فرض حتى على الجامعة العربية الاعتراف بخصوصية الوضع في لبنان، بما يوحي بمحاولة تبرير "شرعية" الخوف على هذا الاستقلال، رغم أنه موجود بحكم الواقع.

منظرو العلاقات السورية – اللبنانية اليوم يتجولون على المناخ الدولي، فلا يجدون ضمانات دولية لمستقبل المنطقة ككل، ولبنان جزء منه، لذلك فإن الحلول تبدو بالعودة لهواجس السيادة والاستقلال، ونبش شرعية الخصوصية وكأن باقي مجتمعات المنطقة لا تملك هذه الخصوصية في التنوع، أو الرغبة في الانفتاح ورسم الصورة المثلي لمزيج ثقافي قادر على الاستمرار رغم كل الظروف.

لكن المسألة على ما يبدو هي في عدم تحديد ماذا ستؤول إليه المنطقة ككل؟! وهل ستحتمل إجراءات الحرب الاستباقية وعمليات "الفوضى البناءة"؟ وحتى يتم التحديد فإن تيار الإعلام سيبقى منصبا على سورية ليس بسبب "أزمة الشاحنات" بل لأن الصورة الغامضة ستجعل من السهل الهجوم على الماضي بدلا من البحث في المستقبل.

ليست اتفاقات أو نيات بين سورية ... والموضوع لم يعد محصورا بالدور السوري في لبنان أو بفصل المسارين في عملية التسوية ... والعلاقات بين البلدين لا يحكمها اليوم رغبات الإعلام أو تصريحات الصحفيين .. هذه العلاقات المتماوجة ما بين أزمة الشاحنات وتصريحات السينيورة ستتشكل من جديد عندما يقرر المنظرون البحث في المستقبل بدلا من البحث عن لوبيات ضغط داخل الكونغرس والبيت الأبيض.

مصادر
سورية الغد (دمشق)