تحولت قضية السلاح الى مسألة اساسية للمرحلة الراهنة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط، فهناك سلاح «حماس» والجهاد الاسلامي في غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي، وهناك ايضا سلاح المنظمات الفلسطينية في مخيمات لبنان وسلاح حزب الله في لبنان بعد الانسحاب السوري، وهناك ايضا اسلحة اخرى منها سلاح المعارضة العراقية في الوسط السني، وسلاح الميليشيات العراقية في الوسطين الشيعي والكردي، وهناك فوق كل هذا سلاح «القاعدة» المنتشر بين دول عدة عربية واسلامية واوروبية وغربية، ولكن من جهة اخرى نجد ان سلاح ايران النووي هو الاخر سلاح من هذه الاسلحة التي تثير الحروب الكلامية وذلك بعد ان عادت ايران الى تشغيل منشآتها النووية, في هذا تعيش منطقة الشرق حالة صراع وحرب موسعة من اجل نزع الاسلحة وتهذيبها واعادتها الى مهاجعها.

ولكن قضية السلاح ليست فقط مسألة عالمية تخص الولايات المتحدة واوروبا والامم المتحدة، فهي الاخرى مشكلة عربية بدرجات عديدة فالحكومة اللبنانية الجديدة التي هي الاولى بعد الانسحاب السوري لن تستطيع بسط سلطتها وبناء وضعها دون المقدرة على تحويل حمل السلاح الى حكر على قوى الامن فقط والجيش كما هي الحال في جميع دول العالم المستقر.

ان وجود طرف خارج معادلة الدولة سوف يحرم لبنان من الاستقرار وسوف يفرض حال قلق تمنع تقدمه ونهضته في المرحلة المقبلة، وفي الوقت نفسه نجد ان تحديات التعامل مع سلاح «حماس» والجهاد الاسلامي في غزة هي الاخرى تفرض نفسها على السلطة الفلسطينية وبينما من المبكر البحث عن حل مباشر لهذا الامر إلا ان توحيد البندقية الفلسطينية في ظل السلطة الوطنية اساسي لنجاح الفلسطينيين في اجتياز هذه المرحلة الخطرة ونيل المزيد من الانسحابات الاسرائيلية، ان سلطة فلسطينية تريد السلام وتسعى الى انجاح مشروعها واحراج اسرائيل وكسب الرأي العام العالمي لن تنجح في ذلك في ظل استمرار «حماس» ومنظمات فلسطينية اخرى في تحديها وتحدي قراراتها، فما يقع في غزة حول هذا الامر سوف يشكل بداية الفارق بين ان تتحول غزة الى نموذج للتنمية الاقتصادية وبين ان تتحول الى حالة من فوضى السلاح والامن، ان تحديات السلاح في غزة ومستقبلا في الضفة الغربية ستبقى هاجسا صعبا امام الشعب الفلسطيني.
اما في العراق الذي يمر في واحدة من اشد فتراته صعوبة فللسلطة الجديدة في العراق كل المصلحة في تجريد معارضيها في المثلث السني من السلاح مقابل الاتفاق على صيغة سياسية للعراق في المرحلة المقبلة، ولكن استقرار العراق يتطلب ايضا تجريد جميع العراقيين من السلاح مقابل الانضواء تحت لواء جيش يحمي العراق ولا يقمع شعبه، في هذا تتحول قضية الدستور وانضمام السنة الى الاطار السياسي الجديد الى مسألة مركزية في العراق.

ان قضية لمن السلطة في كل دولة عربية اصبحت قضية مركزية سوف تحسم اما لصالح الفوضى واما لصالح سلطة ديموقراطية منتخبة.
لقد ولى عصر مقدرة السلطات العربية على السيطرة بلا ديموقراطية وحقوق وتوازن وبينما من الطبيعي ان السلطة في كل مكان في العالم تحتكر اجهزة السيادة وحمل السلاح، ولكن هذا لن يكون ممكنا اذا لم تنجح هذه السلطات في تأمين وفاق سياسي يفرض الطمأنينة على جميع الاطراف مما يسمح بالاطمئنان الى ان السلطات الجديدة ليست سلطات قمع وارهاب مثل السلطات التي سبقتها، هذا ما يجب ان تنجح فيه السلطة العراقية الجديدة والسلطة الفلسطينية الحالية والسلطة اللبنانية.

أماا في ايران فيختلف الامر، فالاحتكار المسلح في ايران بيد حكومتها ولكن القرار الدولي لن يتقبل ايران نووية بلا مواجهات وصراعات وضربات استباقية قد تشعل مزيدا من الحروب والصراع، ان الثمن في ايران قد يكون مزيدا من الضغوط على ايران وبالتالي خسائر كبيرة للشعب الايراني الذي يبحث عن التحول من ارث الثورة الى ارث التنمية والحرية والنهضة والتعليم وفي هذا تعيش ايران نقطة تقاطع حساسة.

ان قضية السلاح في الشرق الاوسط اكثر تعقيدا مما نرى، وذلك بفضل تشابك الخيوط بين الداخل والخارج فحملة السلاح في العراق لديهم خطوط دعم خارجية تمتد نحو تيارات عربية وايرانية وغيرها اما حملة السلاح من افراد «حماس» فلديهم خطوط دعم مع دول وتيارات عربية واسلامية وحزب الله هو الاخر لديه خطوطه وقواعده الايرانية والسورية، اما ايران فترى في فوضى العراق ضعفا للولايات المتحدة وبريطانيا مما يجعلها ترفع لواء التحدي, هذه الخطوط الداعمة تجعل المقدرة على حل قضية السلاح غير ممكنة بلا تغييرات اقليمية ومساومات جديدة ولكن حل قضية السلاح لن تكون ممكنة بلا خليط كبير من المواجهات المسلحة المحلية والاقليمية.

مصادر
الرأي العام (الكويت)