ما يحدث هو كتابة مختلفة، فتصور الحدث من زاوية تركية لا يحتاج إلى تحليل سياسي أو تكريس لوعي تاريخي ظهر في كتب تاريخنا المعاصر، فمع "أسطول الحرية" كنا نكتشف ما حاولنا تجاهله وهو أن التاريخ يبرز فجأة وكأنه قرار نهائي، رغم ذلك فإن "الصورة العثمانية" لا تحتاج إلى تصحيح أو مراجعة بل إلى تفكير بأن الامتداد الجغرافي شأن لا يمكن إهماله، وأن الحالة الثقافية شأن متحول لا يقف عند نقطة، بينما يبقى الحدث التاريخي ثابتا ولا يمكن التدخل به.
تركية في التحليل السياسي تمارس دورها كدولة، وفي القراءة الأعمق تشكل تتابعا لهذا الوجود المتصل مع المنطقة سلما أو حربا أو تجارة، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نقيس حالتها على سياق أي زمن سابق، فهي تركية بخبرتها المعاصرة وبتجارب الانقلابات وتأسيس الأحزاب، وبالصراع من أجل العلمانية أو ضدها، وهي تركية التي تشكل موقعا أوروبيا وآسيويا ومؤخرا في عمق الشرق الأوسط، ففيها زمن لا يقارب السلطنة رغم أنه لا يتبرأ من تاريخها ومن كونها تراثا وتاريخا.
تركية تبقى اليوم صورة لناظم حكمت و ايردال أوز أو هكذا أريد رؤيتها، وهي بنجومها الحاليين تشكل "الديناميكية" المعاكسة لعدد من الأمثال الشعبية التي انطبعت بذهننا عن زمن السلاطين أو الولاة، أو مراحل المد القومي الذي شهد الحروب قبل أن يتم تقسيم المنطقة على شاكلتها الحالية.
وفي هذه الصورة فإن "أسطول الحرية" يغير مساره داخل الوعي ليصبح خروجا من التاريخ ودخولا في الواقع، وربما يشكل لدينا القناعة بأن ردود فعلنا هي ليست "تضامنا" بل توجها أيضا نحو التعامل بواقعية مع الأزمات التي نمر بها، أو "الوعي" لهذا الوجود الذي يمكن أن ينطلق بنا في إطار جغرافي يعرف أن مسألة الخطر يمكن رسمها في عمليات "الإحتلال" التي حدثت في فلسطين، وليس باسترجاع التاريخ سواء كان فسحة جميلة أو واحة اضطهاد.
الصورة التركية لا تحمل معها أي ملامح لـ"الأستانة" بل لـ"اسطنبول" التي نراها في آلية سياسية غير معتادة في الشرق الأوسط، وربما نفهمها أكثر بعد أن أغرقنا تكاسل رائحة النفط، وبناء مناطق التجارة الحرة أو حتى ابتكار أكبر الأسواق الاستهلاكية لـ"السلاح" أو المنتجات المدفوعة بقوة من كافة أرجاء العالم باتجاه منطقة محددة.
الموقف التركي اليوم ليس مهما الا اذا اكتمل بحالة المعرفة التي يمكن أن نكتسبها، وهي ما تزال احتمال فقط، كي نستعيد وعي الوجود لأن المواقف السياسية تأتي وتذهب وفق هذا الوجود وليس وفق تمنياتنا وأحلامنا.