ليس لسوريا وتحديدا لسوريا بشار الاسد "محب" واحد في الولايات المتحدة سواء في ادارتها المتنوعة الاختصاصات او في مراكز الابحاث الكبيرة او في اوساط متعاطي الشأن العام على تنوع انتماءاتهم السياسية والفكرية والعقائدية. لكن فيها اشخاصاً تحملوا مسؤوليات مهمة وبارزة اثناء الولاية الاولى للرئيس جورج بوش ولم يعرف عنهم أي تعاطف مع سوريا وتحديدا نظامها وسياستها، سواء الداخلية او الاقليمية او حتى اللبنانية، حاولوا ولا يزالون يحاولون ان يكونوا منصفين في تناولهم العلاقات السورية – الاميركية بالتحليل والعرض مع زملائهم الارفع رتبة منهم. لكن محاولتهم المتكررة هذه لم تلق النجاح المطلوب لسببين قد يكونان متكاملين. الاول، عدم جدية النظام السوري في السعي الى علاقة ثنائية جيدة مع اميركا عبر حوار صادق من شأنه التمهيد لتفاهم الفريقين على كل القضايا العالقة والاخرى المختلف عليها. اما السبب الثاني فهو عدم جدية فريق "المحافظين الجدد" الممسك بالادارة الاميركية في التوصل الى تفاهم مع سوريا بشار الاسد لا يقوم على تنفيذ مطالب اميركا فحسب بل ايضا على مراعاة متطلبات بقاء سوريا هذه ومقوماتها.

ماذا قال هؤلاء عن سوريا في الزيارة القصيرة التي قمت بها اخيرا لواشنطن؟

قالوا ان سوريا لم تعد تستطيع ان تقدم شيئا الى احد وفي مقدمهم الولايات المتحدة. ولذلك فان سياسة "الجزرة" أي سياسة تقديم المغريات لها وتلبية الكثير من مطالبها بغية اجتذابها الى الصف الاميركي لم تعد مجدية او لم يعد هناك أي لزوم لاستعمالها. كما أن استعمال سياسة "العصا" معها لم يعد ضروريا لانها لم تعد قادرة على الإضرار كثيرا بأحد. واذا ثبت ان قدرة الإضرار والحاق الاذى عندها لا تزال موجودة، واذا نفذت امورا سلبية وسيئة وضارة للاميركيين او لحلفائهم وثبت عليها ذلك، فان "العصا" يمكن ان تستعمل في هذه الحال.

وقالوا ايضا ان اميركا اخطأت عندما امتنعت عن الاعتراف لسوريا بأي امر او دور ايجابي قامت به وكان فيه مصلحة لاميركا او لحلفائها. وهي قامت بامر كهذا بعد الاعتداء الارهابي الذي تعرضت له نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا في 11 أيلول 2001 وذلك بتعاونها على نحو جيد مع الاجهزة الاميركية في موضوع الذين نفذوا هذا العمل والتيارات السلفية الاصولية التي ينتمون اليها. والذي حصل، هو اننا في اميركا، بدلا من الاعتراف لسوريا بذلك قلنا ان ما قامت به كان من واجباتها.

وقالوا ثالثا ان السياسيين الاميركيين في غالبيتهم يتحدثون عن تدفق الارهابيين والاسلحة من سوريا الى العراق عبر الحدود بموافقة من المسؤولين الكبار في دمشق. لكن هل هذا صحيح؟ اكيد ان خروقا عدة تحصل على الحدود السورية – العراقية ولكن ليس على النطاق الواسع الذي يتحدث عنه السياسيون. ويثبت ذلك ما يقوله العسكريون الاميركيون ولا سيما الذين منهم في الجبهةـ، من ان سوريا تحاول قدر استطاعتها اغلاق حدودها مع العراق في وجه الارهابيين والسلاح.

وقالوا رابعا واخيرا لو حصل تفاهم ما بين دمشق وواشنطن او بالاحرى لو قام حوار جدي بينهما لقال السوريون نحن نقبل تنفيذ مطلب او اثنين او ثلاثة من لائحة مطالبكم، ولقال الاميركيون نحن نقبل ذلك الآن على ان يتم البحث في تنفيذ المطالب الاخرى لاحقا. هنا قيل لبعض هؤلاء العاملين السابقين الكبار في الادارة الاميركية: لو حصل ما اشرتم اليه لكانت سوريا طلبت إبعاد قضية لبنان عن أي تفاهم في هذه المرحلة ولكانت قبلت اميركا ذلك ولما كان لبنان يشهد هذا الاهتمام الاميركي بل الدولي الذي اخرج سوريا منه في "ليلة لا ضوء قمر فيها". وكان جوابهم: انكم محقون في ذلك. اذ استفاد لبنان من عناد السوريين وعدم تقويمهم الجدي لما يجري حولهم وفي العالم. في أي حال صار هذا الكلام من الماضي لان سوريا لم تعد قادرة على فعل أي شيء الآن، علما انها ستخرج تماما من لبنان. لكن تبقى هناك ضرورة لقيام علاقات جيدة ووثيقة بينها وبين لبنان الدولة وليس لبنان الشخصيات والاحزاب والطوائف والمحاسيب وما الى ذلك. طبعا اضاف البعض نفسه من هؤلاء نعرف ان سوريا لم تكن مهتمة في السنوات الاخيرة وتحديدا منذ دخولنا العراق عسكرياً باقامة حوار مع اميركا. كان همها الحصول على معلومات عن اميركا من كل الجهات الممكنة ليس لانجاح الحوار او للقيام به وانما للبقاء على الموقف نفسه الذي لا يزال مستمرا وهو الصمود مع الرهان على فشل اميركا في المنطقة وفي مرحلة لاحقة العودة المظفرة الى كل السياسات السابقة. وعندما صارت سوريا اخيرا جاهزة ربما لحوار ما اوصدنا نحن الابواب. قد تكون تأخرت كثيرا. او قد تكون التطورات السلبية هي التي فرضت عليها جهوزية كهذه.

هل بدأت اميركا تعمل لتغيير النظام في سوريا او لاسقاطه؟

كلا حتى الآن، يجيب احد العاملين البارزين في الشأن العام الاميركي وخصوصا الذي منه يتعلق بالشرق الاوسط وقضاياه كلها بدءاً بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي والعربي – الاسرائيلي مرورا بالموضوع السوري وانتهاء بالموضوع اللبناني. ويضيف: ليس هناك قرار اميركي بانهاء النظام في سوريا على الاقل حتى الآن. وليس هناك قرار اميركي بعمل عسكري ضد سوريا. لكن اذا نفذت عملية ضد الاميركيين في العراق او خارجه سقط بنتيجتها عدد مهم من الضحايا وثبت ان لسوريا دورا فيها فان اميركا ستضرب سوريا عسكريا.

لا نعرف في حال كهذه ماهية الضربة. وهل تكون جوية او برية وماذا ستشمل. لكننا نرجح ان تكون جوية، وهي قد تقتصر على الحدود حيث تكثر قواعد الآليات والدبابات او قد تستهدف دمشق او حتى العمق السوري وربما مراكز المسؤولين وقياداتهم ايضا. لكن ذلك لا يعني ان اميركا ستنفذ عمليات قتل او اغتيال للقادة والرؤساء في سوريا. لكن اذا قتلتهم او قتلت بعضهم الغارات فان ذلك يكون غير متعمد او غير مقصود. يمكن ان تترك اميركا النظام السوري ينهار من دون ان تبذل أي جهد لمنع هذا الانهيار.

كيف يمكن الضغط على سوريا؟

مصادر
النهار (لبنان)