نتذكر اليوم ما قاله مارتن أنديك قبل عام تقريبا عبر محاضرة ألقاها ضمن نشاطات معهد "بروكينغز. فأنديك اعتبر ان القيادة السورية تعرف "اليوم انها عرضة للقلاقل أكثر من أي يوم مضى"، وكان يصور مؤشرات التعاون الدولي في الشرق الأوسط. لكن المجتمع السوري إجمالا يدرك هذه الحقيقة من زاوية إضافية مرتبطة بعملية "التفريغ السياسي"، فما قامت به الولايات المتحدة يتجاوز مسالة احتلال العراق، وعلى الأخص أن هذه العملية سبقها تجاوز لمفهوم النظام الدولي المتعارف عليه بعد الحرب الباردة.

الإدارة الأمريكية تحدثت قبل الاحتلال عن الحرب الاستباقية، وبعدها عن عمليات التبديل الثقافي الذي تسعى إليه، والتي تتقدمها مسألة الديمقراطية. وهذا الأمر الذي يبدو وكأنه ألوان من حسن النية، وحتى ولو كان حسن النوايا، لكنه يتضمن نسف الصورة التي بقي المجتمع في شرق الأوسط يرسمها من المؤتمر السوري بعد انهيار الدولة العثمانية.

المجتمع في المنطقة عموما، وفي سورية على وجه الخصوص، يدرك أن النسف المنظم لتشكيلاته المعرفية ليست موجهة اساسا نحو وضعية مستقبلية، والتبديل الثقافي الذي تحدث عنه باول وزير الخارجية الأمريكي السابق، هو إجراء يتضمن "آيات الجهاد" على وجه التحديد. فالطموح في التبديل ربما لا يرقى لأبسط ما يسعى إليه الطامحون لمستقبل حداثي. وهو بالفعل "تفريغ سياسي" حتى لأي ثقافة تراثية. حيث يصبح الجهاد الذي شكل عصب الثقافة التراثية مرهون بشرعية جديد، تشبه إلى حد بعيد شرعية السلطان المملوكي أو العثماني أو .... الأمريكي.

رغم أن فكرة الجهاد تحتاج بالفعل لقراءة جديدة، والثقافة التراثية تحتاج لمرحلة من التجاوز المعرفي، لكن الأسلوب الأمريكي هو تجاوز على المستوى السياسي، سيجعل من المستقبل تكوينا غامضا ومليئا بالمفاجآت "الجهادية" بالدرجة، وهو ما نرى صورة له في العراق.

بالطبع ندرك أن الوضع في الشرق الأوسط عموما، كما قال آنديك أصبح أكثر صعوبة، وأن القلاقل ربما تجتاح المنطقة. لكننا نراها وفق صورة أوسع لأن ما يقوله آنديك ينقصه العمق في معرفة المؤثرات الحقيقة داخل المجتمعات الشرق أوسطية، والعربية إجمالا. وما نريده من المستقبل ليس نسف تراثنا، بل البدء ببناء تراث لإحفادنا يدفعهم نحو المستقبل.