التعبير الممل يمتطي اليوم تفاصيل التحاليل أو القراءات التي تحاول شرح ما يمكن أن يحدث، أو ما جرى فعلا بعد صيف طويل تداخلت فيه الأحداث مع لمسة من الخيال. فالصورة الشاعرية ربما تكسر بعضا من سأم التوقعات قبيل وضع ميلس لتقريره النهائي.

في الصيف الماضي وأوائل الخريف شهدنا اللون الإعلامي الفريد، حتى أن تقرير ميلس أصبح جزء من العائلة، وبعضا من التيارات السياسية، وأخيرا فهو شكل اتجاهات في العمل بعد ان توقع البعض أنه سيحمل الصورة الأخيرة لشرق أوسط "تعيش". وربما ما تزال القراءات تنهال على المجتمع وكأنها القدر النهائي لبشر يشاهدون ما يحدث، أو يحدثون الآخرين عما يمكن أن تنجلي عنه غبار اللجان والتصريحات المرافقة لتفاصيل الحياة.

وفي ذروة التوقعات المتناقضة كانت باقي المسائل تهرب من العقل، أو تصبح لونا باهتا داخل ذاكرة متعبة بكم الأقاويل. وفي النهاية فإن الحدث السياسي شكل مأزقا اجتماعيا أكثر منه أزمة داخل آليات السياسة. فنحن أمام "مرحلة جديدة" ليس على مستوى الخارطة السياسية كما يتوقع البعض، رغم أن هذا الاحتمال وارد، بل زمن يغلفنا بإطار ما هو متوقع ويشكل إرادتنا على شاكلة "الترقب" بكل ما يحمله من اقتناع بأن القادم وحده القادر على رسم شخصيتنا.

فإذا كان الانتظار سمة عربية بامتياز، فإن الترقب هي الفضاء الجديد الذي يسبح فيه الانتظار كي يربطنا بفشل الإبداع وقتل الخيال ثم اختراع ألف وسيلة لتفسير ما حدث. ومهما كان نوع "الصيف الحار" الذي شهدته سورية إلا أنه رسم عند الجميع بأن "الوطن في خطر" ... و "الوطن محاصر في تاريخه ومستقبله" .... و "الوطن خاضع لاحتمالات مفتوحة" ... ولكن هذا الوطن كان ينتظر أفق ترسمه ثقافة أبنائه، وكان يبحث بين ركام البيانات والتصريحات عن شكل ينهي الجدل البيزنطي في "مسؤولية ما حدث" ... و "كيف ستتصرف الولايات المتحدة" ... و "هل يمكن أن تتحرك التنظيمات الدينية" و أخيرا "حق الأحزاب الدينية بالتواجد" ...

في تجربة الصيف الحار مساحة ناقصة، أوجدتها ثقافة ناقصة ورغبة اعتراف بالدونية من قبل المثقفين المترقبين لما يحدث ... وفي تجربة الصيف الحار لوحة توفر معطيات الخطر وينقصها الشخصية التي تحاول نبش الخطر.

ربما لا يكفي الاعتذار من الأجيال القادمة ... فالمسألة حية حتى اللحظة بانتظار من يتقدم لينبش هذا الخطر حتى ولو استطاعت الآليات السياسية الرسمية التعامل معه، فنحن اليوم لسنا أمام فعل سياسي، بل أمام الرؤية الاجتماعية للخطر، وفي مواجهة فلسفة "الاسترخاء" التي تتركنا نتعامل مع ما يحدث وكأننا طرف آخر .....