يوقظنا أحيانا إيقاع الصوت القادم من مساحات سياسية خارجة عن الجغرافية التي نريدها، أو نعيش داخلها بكل التفاصيل التي تنقلنا من أزمة لأخرى أو من يوم لآخر. فلا جديد في جلسة مجلس الأمن، والمداخلات المقدمة باتت معروفة سلفا، لكن التركيز الإعلامي فتح على الأقل فجوات في محاولة قراءة رفضنا للتقرير وقبول الآخرين له.

هذه الصورة لا تلغي الحق عندنا، ولا تكَون أيضا رأيا جديدا حول أصابع الاتهام في مسألة اغتيال الحريري، إنما عليها أن تفسح المجال لقراءة ثغرة الاتصال أو عدم القدرة على التفاهم في ذروة الأزمة، وهذا ما يعكسه رأي ميلس في مؤتمره الصحفي عندما اعتبر المقاربة السورية للدور الأمني في أحداث 11 أيلول واغتيال الحريري على أنه مثل تشبيه "التفاح بالبندورة". رغم أن مثال السيد فيصل مقداد يحمل رابطا منطقيا ... لكن الفرق يبدو في رؤيتهم لأنفسهم، وفي نظرتنا لأنفسنا.

والمسألة اليوم أبعد من عمليات الفهم المتبادل لوجهات النظر ما بين ميلس وسورية، بل هي في "وصفهم" لأدوار المؤسسات مهما كانت طبيعتها أمنية أو سياسية، وفي قراءتهم لقدرة "الدول" – وليس سورية تحديدا – على التعامل مع وظيفتها كمظهر حقوقي يربط المصالح العامة.

والأمر ربما تكرر عندما تحدث السيد فيصل مقداد عن علاقات الأخوة وعن التضحيات السورية في لبنان، وهذه النقطة علق عليها معظم المحللين على الفضائيات العربية بأنها محاولة للتذكير بالدور السوري وبطبيعة العلاقة الخاصة بين البلدين، في وقت بقيت هامشية في مسار التغطية الإعلامية خارج إطار "الرأي العربي" ليس فقط لكونها خارجة عن نطاق التركيز في مسألة الاغتيال بل لأنها شأن لا يستدعي التفكير بالنسبة للسياسة الغربية المحكومة بطبيعة المصالح المتبدلة بين الدول.

المشكلة الأساسية اليوم أننا نجابه تعاملا مباشرا مع الإجراء السياسي الدولي، وهو مهما كانت طبيعته يركز أساسا على تثبيت "افتراضات" ولا يمكنه أن ينظر إلى حسن النية أو الرغبات الخاصة بالمجتمعات، فهو ينبش في الممارسات مسلحا بذاكرة مركبة هي خليط من رؤيته الخاصة تجاه المنطقة ومحاولته لرسم مصالحه من جديد بعد تجربة خاصة أنتجت احتلال العراق.

وإذا كنا قادرين على رؤية العواقب المريرة للسياسة الأمريكية، أو لمحاولة التعامل مع تحقيق دولي على أساس من خلفية سياسية مسبقة، فإن المحافظون الجدد ليسوا مضطرين للتعامل وفق هذه النظرة، وهم ربما لا يشعرون بأن الاستعلاء الذي يتعاملون به حالة فريدة بل واجبة!!! ومن جانب آخر فإن الوضع الدولي لن يكن مضطرا للنظر إلى ما يحدث على أساس البحث عن الحقيقة، بل هو أيضا حساب سياسي دقيق لا يهم فيه المواضيع الداخلية أو التوازن الإقليمي كما نراه نحن، بل كما يجب أن يكون بعد أن تغير العالم في توازنه الاستراتيجي.

لا شك أن تجربتنا جديدة وهي في المقابل على خطورتها تشكل خطوة لإعادة النظر إلى مسائلنا الخاصة من جديد وسط عالم متحول، ورغم محاولات خنق الخيارات أمام سورية لكن في المقابل فإن التجربة تضعنا مباشرة أمام ذاتنا وقدرتنا على اجتياز المخاطر، إذا اقتنعنا بأن هناك ضرورة لإعادة صياغة واقعنا بشكل يؤمن لنا القوة أمام "المواجهة" الحالية.