تعتبر سوريا ومعها حلفاء "خطها الوطني" من اللبنانيين انها ليست وحدها في المعركة الشرسة التي تخوض ضد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ومن ورائهما اسرائيل، دفاعا عن نفسها ونظامها وثوابتها الوطنية و القومية. اذ تقف معها اولا الشعوب العربية والاسلامية التي لم يعد تجاهل ارادتها ومواقفها ممكنا في ظل اقتناعها بان عالمها يتعرض لهجمة استعمارية جديدة تهدف الى السيطرة على مواردها وتغيير قيمها السياسية والاجتماعية وحتى الدينية وترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين الذي كان دائما وسيبقى رأس حربة لكل القوى الدولية الطامعة في المنطقة وخيراتها. وتقف معها ثانيا الدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومصر. والاثنتان حليفتان اساسيتان لاميركا وقادرتان بسبب ذلك على التأثير في سياساتها او بالاحرى على الحد من غلوائها وتطرفها. فضلا عن انهما من انصار الابتعاد عن التغييرات الجذرية في المنطقة او ربما من انصار بقاء الاوضاع القائمة اي "الستاتيكو" على حالها فيها لان اي هز لها او تغيير فيها سينعكس سلبا عليهما وعلى كل الآخرين. وقد ابدت الدولتان المذكورتان في الاشهر الاخيرة اكثر من مرة حرصهما على استمرار الاستقرار في سوريا ورفضهما اي زعزعة له. اولا لان من شأن ذلك تحويل سوريا عراقا آخر. وذلك امر لا تستطيع المنطقة العربية والاسلامية احتماله ، لآثاره السلبية على الجميع. وثانيا لان تفاقم عدم الاستقرار وتهديده النظام السوري لا بد ان يشجعا الشعوب العربية الأخرى على "الدق" بأنظمتها التي لا يعامل معظمها شعبه بطريقة افضل من تلك التي يعامل بها النظام السوري شعبه. وذلك امر لا يمكن التساهل فيه.

هل الاعتبار السوري المفصل اعلاه في محله؟

انه كذلك من الناحية المبدئية. لكن اعتباره ثابتا على النحو المشروح اعلاه امر خطير وفي غير موقعه ذلك انه قد يُدخل المعنيين بالموقفين السعودي والمصري دائرة التمنيات وتاليا سوء التقدير والوقوع في الاخطاء. فموقف العربية السعودية استنادا الى عروض الخبراء المزمنين في اوضاعها وسياساتها في الموضوع السوري الحالي وفي المواجهة السورية – الدولية (الاميركية)، ينطوي على عناصر عدة، منها اولا ان المملكة انزعجت كثيرا بل غضبت لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ولم تستطع ان تمنع نفسها من القاء مسؤولية ما على سوريا عن هذا الامر نظرا الى سيطرتها الكاملة في ذلك الوقت على لبنان والتردي الكبير في علاقاتها مع الرئيس الراحل. ومنها ثانيا ان المملكة انزعجت كثيرا من سياسات اقليمية معينة لسوريا لاقتناعها بان من شأنها زيادة التردي المسيطر في المنطقة انطلاقا من العراق ومن شأنها ايضا وضع سوريا في موقف صعب وتاليا وضع العرب كلهم في موقف بالغ الدقة. اذ انهم من جهة لا يستطيعون التساهل في ضرب الواقع العربي القائم ومن جهة اخرى لا يستطيعون تبرير اعمال بعض العرب التي تستغل عن حسن نية او عن سوء نية للنجاح في ضرب الواقع المذكور. ومنها ثالثا ان المملكة حليفة للولايات المتحدة. لكن ذلك لا يوفر لها دائما الفرصة للتدخل معها دفاعا عن سوريا او عن غيرها وخصوصا عندما تتزايد "الاخطاء" المرتكبة على الاقل في نظر واشنطن. طبعا تعرف المملكة اخطاء اميركا وانحياز سياساتها الى اسرائيل وتعرف مدى قدرتها على التأثير فيها وعليها. لكنها تعرف في الوقت نفسه ان تصحيح الاخطاء الاميركية لا يكون بارتكاب اخطاء مشابهة. كما تعرف ان إبعاد المنطقة عن التأثر بالفوضى القائمة في العراق وتاليا مساعدة العراق على الانتهاء من "فوضاه" لا يمكن ان يتما باستعداء اميركا او بمواجهتها. ومنها رابعا ان التدخل السعودي الاخير في الموضوع السوري مع اميركا والمجتمع الدولي قد يكون الاخير، ذلك ان نجاحه يتوقف على سوريا في الدرجة الاولى اذ عليها التزام ما تتفق عليه مع المسؤولين السعوديين ومع اميركا عبرهم وعدم توظيف تدخل الرياض لكسب الوقت والمماطلة في انتظار ظروف اقليمية ودولية ملائمة لها.

اما مصر فان في موقفها شبها كبيرا مع موقف السعودية رغم اختلاف اسلوب تعاطي كل منهما مع الخارج. فهي ايضا "طلع دينها" - استنادا الى عدد من الخبراء في اوضاعها وسياساتها المتنوعة - من سوريا التي لا تزال تتجاهل ما جرى في المنطقة بعد 11 أيلول 2001 ولا تزال تعتمد رهانات عدة ابرزها خسارة اميركا في العراق ثم في المنطقة كلها. علما ان رهانا كهذا قد يصح لكن الرهان المقابل له اي فوز سوريا وغيرها من "اعداء" اميركا قد لا يكون النتيجة الحتمية للخسارة الاميركية بل قد تكون نتيجتها غرق المنطقة كلها في بحور من الفوضى وعدم الاستقرار والضعف. ومصر ايضا، لمن نسي او تجاهل حليف اساسي لاميركا وهي لا تبدو مستعدة للتخلي عن حلف كهذا وانْ من اجل شقيق وخصوصا اذا كان هذا الشقيق ارتكب في رأيها كما في رأي المجتمع الدولي اخطاء مهمة ذات انعكاسات سلبية على الجميع. ورغم ان المملكة العربية السعودية وصلت في مرحلة معينة الى اليأس من سوريا وعبرت عنه بوسائل عدة، علما انها عاودت تحركها لمساعدتها اخيرا، فان مصر التي كادت ان تبلغ المرحلة نفسها فرضت على نفسها التحرك تلافيا لوقوع سوريا والمنطقة في كوارث. لكن استمرار تحركها ، كما التحرك السعودي، رهن بتجاوب سوريا وتعاونها التام معهما ومع المجتمع الدولي.

هل تعرف سوريا حقيقة المواقف منها في كل من السعودية ومصر وهي للمناسبة وباجماع الخبراء المشار اليهم غير ايجابية؟

القريبون منها يؤكدون انها تعرفها تمام المعرفة. لكنها تعرف ان اصحابها لا يستطيعون الا محاولة انقاذ سوريا ومساعدتها لان في ذلك مصلحة لهم ولدولهم وشعوبهم. ولذلك فانها تحرص على الايحاء بجودة العلاقات معهما وبالاعتماد عليهما. والاثنتان اي مصر والسعودية لا تجهران بعكس ذلك لان مصالحهما كما المصالح العربية تقتضي العض على الجرح واستمرار المحاولات. الا أن السؤال الذي يطرح هو: هل تستطيع السعودية ومصر الاستمرار في نهجهما الايجابي - وانْ شكلاً - والمساعد فعلاً لسوريا الى ما لا نهاية؟ والجواب كلا في رأي الخبراء انفسهم. لكن لا احد من هؤلاء يعرف اذا كان السعوديون والمصريون سينتهجون سياسة علنية في التعبير عن عدم رضاهم او عن خيبة املهم اذا اخفقوا في اقناع سوريا بالتعاطي الكامل مع اميركا والمجتمع الدولي. وتاليا في اقناع الاخيرين بالتوقف عن استهدافها، علما ان كثيرين منهم يعتقدون ان على الدولتين العربيتين الكبريين ان تتخليا عن تحفظهما المزمن اذ ربما دفع ذلك سوريا وغيرها الى الاختيار الذي يتمنى الجميع ان يكون، اختيار التعاون لا المواجهة.

مصادر
النهار (لبنان)