"الخطاب السوري المتعجرف" حسب تعبير كوندليزا رايس ينقل في بعض جوانب أزمة المنطقة، وخياراتها المحدودة وسط دائرة التوترات المستمرة. وبالطبع فالمقصود هنا هو الكلمة الأخيرة للرئيس بشار الأسد التي حركت المساحات السياسية الدولية والإقليمية بعد أن كسرت التوقعات، وأشارت إلى أن المواجهة أو حتى الحرب هي واقع قائم أكثر منه احتمال للمستقبل.

والموضوع ربما يتجاوز الوضع السوري، لأن استراتيجية "الخيارات المستحيلة" التي تطرحها الولايات المتحدة تتطلب بالفعل وضع حدود وفواصل لمعرفة ما هو متاح وسط طبيعة الأزمة الحادة، فعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية قادرة اليوم على مسك مفاصل الحلول الدولية، لكنها في نفس الوقت لا تتوقع أن السلام الدولي هو المطلوب بل رفع وتيرة المواجهات الحادة، وتشكيل مواقف دولية تحرج أي تيار هادئ أو قادر على التعامل بدبلوماسية "الأزمة" مع مناطق التوتر.

عمليا فإن الخيار السوري "المتعجرف" لا يمكن فصله عن توقعات "العنف" المزروعة، سواء عبر الإرهاب ورسائل "الزرقاوي"، أو التلويح الأمريكي – الفرنسي بمزيد من العقوبات على سورية بعد تاريخ 15/12. مما يوحي بأن الطاقة السياسية السورية تريد التعامل مع حساسية التصعيد الموجود بالفعل، والنظر إلى المنطقة على انها بالفعل مساحة متفجرة بغض النظر عن محاولات تعاون دمشق مع لجنة التحقيق.

وإذا كان خطاب الرئيس السوري كسر السوية المعروفة منذ عام 1990 بشأن الوضع الإقليمي، ونقله من "الموقف المبدئي" كما يرد يوميا في التصريحات الرسمية السورية، إلى المواجهة "الحقيقية"، فإن المشهد السياسي لا يمكن أن يستمر في دائرة الصراعات المنفصلة، بين الولايات المتحدة ومسألة الإرهاب التي يعبر عنها "الزرقاوي" وبياناته "الصوتية". فالمواجهة بالفعل تحتاج لتحديد الأطراف، واعتبار أن الإرهاب حالة متشابكة مع الطبيعة السياسية التي نعيشها اليوم، والحرب ضدها ليست مسألة صراع بين الإدارة الأمريكية والزرقاوي"، بل بين السياسة الأمريكية إجمالا والمنطقة بما تحمله من تنوع وقدرة على التفاعل مع التطورات العالمية سياسيا وثقافيا.

"الزرقاوي" لن يستطيع التحرك إلا ضمن الشرط الأمريكي الذي يرى المنطقة قبائل وعشائر وأديان. والولايات المتحدة لن تكون قادرة على كسر سيادة الدول كما تحاول أن تفعل مع سورية، في ظل فهم أن التنوع ليس ضرورة بل قدرة علينا التعامل معه. وفي المساحة السياسية اليوم ستصبح الخيارات متاحة عندما نعيد ترتيب فهمنا لمسألة "الثقة" الاجتماعية، والمراهنة على أننا لسنا "الشتات" بل مجتمع يريد بالفعل الدخول إلى العصر بأدوات الحداثة وبدولة الحداثة.