لا نستطيع الوقوف عند نقطة واحدة تلخص السنوات السابقة، لأن ما حدث في "ربيع دمشق" صورة واحدة عليها أن تكمل النسيج العام الذي ساد سورية في مراحل التحول. ولأن إطلاق الصورة الشاعرية هو في النهاية مقاربة لحالات سابقة لها علاقة مباشرة بالحرب الباردة وبـ"ربيع براغ"، فإننا نستطيع فهم ما يحدث اليوم بالتركيز على صورة منتقاة وتصريحات خاصة، على انه نوع من اعتبار الخط السياسي السوري هو باتجاه واحد.

وتبدو المشكلة أحيانا في إضفاء الطابع الخاص لهذه التجربة، وهي كانت بالفعل بداية جديدة لصورة الحياة السياسية، لكن هذه الصورة تمتلك أبعادا حيوية لا يمكننا إهمالها او قسرها على مساحة زمنية واحدة، أو أشخاص محددين، مع اعترافنا بأهميتهم. فالمسألة هي في عمق المعارضة أو ما يمكن ان تحمله إلى صلب الحياة الاجتماعية، على الأخص أن الصورة الممنوحة اليوم لإطلاق المعتقلين تبدو وكأنها دخول في "ربيع" جديد أو مراهنة على أشخاص لهم موقعه الخاص في الأحداث المرتبطة بالمنتديات.

وحتى لا يظهر الأمر على انه تقليل من شأن الأحداث التي بدأت في عام 2000 فإن علينا بالفعل النظر في الوظيفة التي تقودها المعارضة، وفق آليات التصريحات التي تبدو جريئة لكنها بالفعل تطمس الصورة الواجبة لما يمكن أن يفعله السياسيون أو قادة الرأي. فإذا كان البعض يعتبر ان من حقه الحضور على وسائل الإعلام وتقييم الأداء الحكومي وصولا إلى المطالبات الديمقراطية، و "التغير الجذري"، فإن من حق المشاهد والمجتمع السوري الوقوف بشكل واضح على ماهية هذا التغيير، وعلى طبيعة "الأزمات" التي تعيشها سورية من هذا التغيير ... لأن التغيير بذاته ربما لا يحمل حلولا للأزمات إذا لم نكن نسعى لإيجاد التغيير من اجل رفاه المجتمع وتحريره من "الخوف" الذي يزرع به يوميا نتيجة السياسات الإقليمية والدولية.

من حق من أطلق سراحهم مؤخرا أن يعبروا عن نظرتهم السياسية، ولكن في نفس الوقت من واجبهم وواجبنا ان نقرأ هذه التجربة قبل أن تكون المسألة الديمقراطية عنوانا فقط. فربيع دمشق ليس محطة بل هو ظرف سياسي أولا وأخيرا، وكان من الممكن ان يكون بوابة لكنه يظهر اليوم على انه استكمال لمشهد المعارضة. بينما يحق لنا ان نسعى بشكل دائم لرسم الحياة السياسية بشكل متطور دائم متحررين من "الضغط التراثي" ولكن في نفس الوقت نعرف أن التجربة التاريخية تحتاج بالفعل لقراءتها وليس تكرارها.