زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران التي سبقتها زيارة علي لاريجاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الى الرياض، والتي تزامنت مع الزيارة السرية التي قامت بها كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية لبغداد، ثم انتقالها الى الكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية وعزمها اللقاء مع نظرائها من وزراء خارجية مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، كلها زيارات وجولات باتت ضرورية لإعادة ترتيب أوراق محوري الاستقطاب الإقليمي الجديدين “محور الاعتدال” و”محور الشر” بخصوص القضايا الثلاث الساخنة: العراق ولبنان وفلسطين، حيث يوجد كثير من الخلط وكثير من القيود التي تعرقل إمكان حدوث هذا الاستقطاب الذي تريده واشنطن من ناحية، والتي تحول دون تمكين أي من الطرفين من المضي قدماً لفرض سياساته وأفكاره في كل قضية من القضايا الثلاث على النحو الذي يريد.

زيارة الأسد لطهران كانت ضرورية لسببين، فهي ضرورية لتقوية العلاقات بين سوريا وإيران على نحو يتلاءم مع مستوى التحديات الأمريكية و”الإسرائيلية” المتصاعدة، وعلى نحو يتناسب مع حجم الخلافات بين دمشق وطهران، وعلى الأخص في الملفين اللبناني والعراقي، حيث يلاحظ تصاعد التنسيق في الملف اللبناني بين إيران والسعودية بما يفوق التنسيق الإيراني السوري في هذا الملف. كل هذا يحدث في وقت جاءت فيه رايس الى المنطقة لتصليب موقف دول ما يسمى “جبهة دول الاعتدال العربي” في مواجهة “جبهة التطرف” التي تضم إيران وسوريا ومنظمات المقاومة العربية في لبنان وفلسطين. وقد أوضح ديفيد ساترفيلد منسق الشؤون العراقية بالخارجية الأمريكية أن رايس ستناقش مع نظرائها من مصر والأردن ودول مجلس التعاون بعض تفاصيل خطة بوش في العراق على ضوء الأفكار التي عرضها الوزراء في الاجتماع الذي عقدوه معها في الكويت الشهر الماضي، كما أوضح أن بلاده ستدرس إمكان اتخاذ إجراءات ضد الدول غير المتعاونة في العراق ودول أخرى في المنطقة، وأنها، أي بلاده، تعمل على تكوين “إرادة جماعية لإلزام إيران وسوريا بتغيير سياساتهما”.

وإذا كانت رايس تحاول إغراء الدول العربية بمقايضة دعم هذه الدول لخطة بوش في العراق بدور أمريكي جديد في الأزمة الفلسطينية الراهنة، فإن اتفاق مكة عرقل فرص رايس لطرح أفكار عملية في اللقاء الثلاثي بينها وبين كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإيهود أولمرت رئيس حكومة الكيان الصهيوني. اتفاق مكة تبنّى وجود حركة “حماس” كطرف أساسي في الحكومة الفلسطينية الجديدة، وواشنطن تورطت في الإعلان عن رفضها التعاون مع أي حكومة تشارك فيها حركة “حماس”. فشل رايس في مهمتها مع كل من محمود عباس وإيهود أولمرت سوف يضعف كثيراً من فرص سعيها لحل فلسطيني مقابل حل عراقي يتوافق مع خطة بوش الجديدة التي لم تحظ حتى الآن بدعم حقيقي أمريكي على ضوء الانقسامات الراهنة داخل الكونجرس حول هذه الخطة.

التحديات تواجه كل الأطراف، وكلها تسعى إلى إعادة ترتيب أوراقها، لكن الأهم من هذا كله هو أن الحسم في أي من تلك القضايا لا يزال مؤجلاً.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)