في الوقت الذي تواجه فيه إيران خطر احتواء دولي حقيقي وفعال عبر صدور قرار من مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات جديدة عليها نظراً لعدم امتثالها للنصوص الواردة في قرار العقوبات السابق وبالتحديد مسألة وقف عمليات إثراء (تخصيب) اليورانيوم، يبدو أن سوريا بدت مقتنعة بأنها يجب أن تفلت من هذا المصير، وذلك عبر مجموعة من المبادرات الكفيلة بوضعها خارج “محور الشر” وترتيباته في المنطقة.

لقد استطاعت سوريا أن تحدث مجموعة من الاختراقات في جدار الحصار والاحتواء، جاءت البداية عبر اجتماع بغداد الذي شاركت فيه الولايات المتحدة للمرة الأولى مع دول الاحتواء الأوروبي بوجود إيران ودول الجوار الأخرى، وفي حين نفى السفير الأمريكي ببغداد زلماي خليل زاد حدوث أي حوار خاص ثنائي أمريكي- إيراني فإنه حمل إلى الكونجرس ما يوحي بحدوث مثل هذا الحوار مع السوريين. فأمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس قال زاد: استطيع أن أخبركم أنهم (السوريون) عبروا عن اهتمامهم بعقد لقاء ثنائي سيكون من مصلحتنا، وكشف أنه تكلم للمرة الأولى مع ممثلي سوريا عن العراق خلال مؤتمر بغداد. وتزامن مع انعقاد مؤتمر بغداد قيام ايلين سوربري مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون السكان والهجرة بزيارة لدمشق وصفتها بأنها كانت “مجدية” التقت خلالها نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد.

الاختراق الآخر كان عربياً من خلال زيارة فاروق الشرع نائب الرئيس السوري للقاهرة ولقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك حيث حرص على أن يصفه (اللقاء) بأنه كان دافئاً وودياً. وقال “اتفقنا مع الرئيس مبارك خلال اللقاء على تنسيق تام بين البلدين، وخصوصاً في أول مفصل مهم وهو القمة العربية التي ستعقد في الرياض”.

لكن ما يلفت الانتباه في تصريحات الشرع هو قوله إن ورقة العمل التي ستتقدم بها بلاده في القمة، ستكون نفسها ورقة العمل العربية التي تهدف إلى إصلاح الوطن العربي وإحياء التضامن العربي ومواجهة التحديات وفي مقدمتها الفتن التي ترزح تحتها المنطقة، مثل هذا القول يعني أن سوريا استطاعت أن تتجاوز خلافاتها ليس فقط مع مصر بل وأيضاً مع السعودية الحريصة على إنجاح مؤتمر القمة.

أما الاختراق الأهم فهو مع الاتحاد الأوروبي عبر زيارة خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية لدمشق وكشفه لمعلومات مهمة توحي أنه ذهب أولاً إلى سوريا بطلب من وزراء الخارجية الأوروبيين، أو بالأحرى تكليف منهم وبالذات الوزراء الأربعة الذين سبق أن زاروا دمشق خلال الأسابيع الماضية، وأنه ثانياً حمل مبادرة أو “صفقة حوافز” أوروبية إلى السوريين.

زيارة سولانا اكتسبت أهميتها كونها كشفت عن وجود نية أوروبية على التوقف عن تهميش سوريا أو عزلها حسب تصريحات سولانا نفسه.

اختراقات سورية مهمة لكنها مقيدة بمطالب ومقيدة أيضاً بضغوط، وهذا هو الأهم: ضغوط أمريكية مازالت مصرة على عزل دمشق عربياً، وضغوط إيرانية عبر حوافز مختلفة كان آخرها زيارة وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار لدمشق، وتأكيده أن ما تملكه إيران من قدرات دفاعية هو ملك لسوريا أيضاً، ومطلوب من دمشق أن تواصل الاختراقات وتتجاوز الضغوط وهنا يكمن المأزق الحقيقي.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)