الحياة / يز سارة

في واحد من آخر اخبار العراق، ان مسلحين مجهولين وضعوا عائلات من مسيحيي بغداد امام واحد من ثلاثة خيارات، اما اعتناق الاسلام، او دفع الجزية، او مغادرة منازلهم وترك محتوياتها. ويمثل سلوك المسلحين شكلاً من اشكال التطرف المتصاعد في العراق الذي دخل في نيسان (ابريل) الماضي عامه الخامس تحت الاحتلال.

وتشمل ظاهرة التطرف كل مجالات الحياة العراقية العامة، حيث يجري تعميق الانقسامات، وتوسيع حدود الصراع بين العراقيين، وأحد ابرز تعبيرات التطرف يظهر في انقسام العراقيين على اساس اثني، اذ يجري تكريس انقسام عربي، كردي، تركماني، آشوري، ويتم على اساس هذا الانقسام تعميق الصراع بين تلك المكونات العراقية، والتعبير الاكثر وضوحاً عن ذلك الصراع يظهر في قضية كركوك.

كما يبدو الانقسام الديني وما يليه من صراعات بين العراقيين كواحد من تعبيرات التطرف. ففي العراق ذي الاغلبية الاسلامية هناك من يعتنقون ديانات اخرى بينهم مسيحيون، كما كان في العراق موسويون من اليهود، عملت الحركة الصهيونية على تهجيرهم الى فلسطين، وقيل ان بعضهم عاد الى العراق أخيراً، وقد تعمق في السنوات الاخيرة الانقسام بفعل نزعات التطرف ولاسيما لدى المتشددين الاسلاميين من المسلحين، وكان بين اشكال التعبير عن هذا التطرف عمليات تفجير كنائس في بغداد وتوجيه تهديدات لعائلات مسيحية على نحو ما تم أخيراً.

وانعكس التطرف داخل الاكثرية الاسلامية في العراق انقساماً بين جناحي الاسلام الشيعة والسنة، وكان من نتائجه بلورة انقسامات سياسية وجدت لها تعبيرات في العديد من وجوه الحياة العراقية في سابقة لم يشهد لها العراق مثيلاً في تاريخه الحديث. ولم تقتصر حدود الانقسام ونمو نزعات التطرف على ما سبق، انما تعدته الى انقسامات داخل معظم الكيانات القومية والدينية والطائفية، ودخولها في صراعات ذهب بعضها حد الصراع المسلح في احيان كثيرة، والمثال الابرز على هذه الانقسامات يظهر داخل سنة العراق ومثله داخل اشقائهم من الشيعة، وقد توالت الصدامات داخل كل من الطائفتين مرات كثيرة خلال العام الاخير.

ان ما يشهده العراق من انقسامات تذهب في اتجاه تصعيد التطرف، كان قد اسس له في عهد النظام البائد الذي افسح المجال لشيوع روح الانقسام بين العراقيين وغذى نزعات التشدد من خلال تطرف قومي استند الى ايديولوجية االبعث، ثم اضفى النظام في سنواته الاخيرة على هذه الايديولوجية مسحة تشدد اسلامي سني في وقت كانت قاعدة النظام خليطاً من المناطقية والعائلية، وعكس هذا التشدد والتطرف المتعدد المستويات نفسه على السلوك السياسي للنظام البائد على المستويين الخارجي والداخلي، فادخل العراق في حروب مدمرة مع محيطه الاقليمي ومع المجتمع الدولي، فيما كانت حروب الداخل مستمرة ضد معارضيه وخصومه من الجماعات العراقية القومية والدينية والطائفية والمناطقية، بهدف الابقاء على النظام الحاكم وقوته ومركزيته، وهو الامر الذي ابقى العراق موحداً حتى سقوط بغداد قبل اربع سنوات، وكان سقوطها بداية انكشاف الحلقات الاوسع من الانقسام العراقي.

لقد جعل الانقسام والتطرف العراق يتجه نحو التفتت الذي اخذت ملامحه تتبدى في اكثر من وجه ومستوى، ذلك ان نمو نزعة الانقسام مصحوبة بالتطرف، لا يمكن ان يتوقف عند حد وصولاً الى التفتيت الشامل، وهذا هو الخطر الذي يواجه العراق اليوم، بل ان ما يجري في العراق يرسم صورة مظلمة لمستقبل دول المنطقة، التي تتصاعد فيها نزعات الانقسام، ويتزايد فيها عدد المتطرفين من كل نوع ولون، مما يتطلب جهوداً جدية ومشتركة من قبل كل النخب، التي ان لم تتآلف في مواجهة الانقسام والتطرف فإنها ستكون في مقدمة ضحاياه وتحل عليها لعنة التطرف.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)