حتى نهاية العام ستقوم سورية الغد باستقراء لمسألة "الحياة السياسية" في سورية، ورغم حساسية هذا الموضوع، لكننا سنحاول التعامل معه عبر ملفات متلاحقة الهدف منها في النهاية ليس "كشف" طبيعة وعوامل الحياة السياسية بل أيضا محاولة تحريك هذا الموضوع ضمن الساحة الثقافية على الأقل.

"سورية الغد" تحاول التطرق لبعض المكونات الخاصة بـ "الحياة السياسية" بعيدا عن "الإجراءات المتوقعة" مثل قانون الأحزاب أو غيره، فالمسألة تتطلب أكثر من تشريعات لأنها "صناعة" لهذه الحياة من جديد، وما نقصده هنا بـ"الصناعة" يخرج عن إطار إعادة إنتاج الحياة السياسية، لأن الأهم هو ظهورها بـ"شخصية" جديدة قادرة على استيعاب التجارب السابقة أو الحالية و يمكن ان ينظر إليها في "إطار التجارب" نظرا لقصر عمر التجارب الحزبية عموما.

في الملف الذي نفتحة نستطيع تسجيل ملاحظات أساسية قبل الدخول في أي تحليل لمضمون ما تضمنه المواد أو الآراء حول هذه القضية:

 بالدرجة الأولى ما يزال هناك افتراق واضح بين مفهوم "الحياة السياسية" و "النشاط السياسي"، ويتضح هذا الافتراق عند "خطاب المعارضة" لسبب وحيد هو تركيزها على مسألة "التداول السياسي للسلطة" أو حتى ضرورة وجود التشريعات. بالطبع فإن الحياة السياسية هي أوسع من "التنافس على السلطة"، لأنها تبدأ بقراءة الواقع ووضع البرامج وربما لا تنتهي عند زج المواطن بالحياة العامة المتعلقة ببيئته قبل أن تكون استقطاب حول برنامج سياسي. وبمعنى آخر فإن "الوطن" هو الغائب الأساسي في هذا الافتراق، لأنه بتفاصيله الصغيرة مهمش على حساب الشعارات العريضة.

 إن مسألة التغير السياسي (الديمقراطية) عند المعارضة تسبق التغيير الاجتماعي الثقافة الديمقراطية)، أما عند أحزاب الجبهة فإن "الإصلاح الاقتصادي" يسبق أي تحول نحو "الإصلاح السياسي"، وهذا التقسيم يبدو نظريا لأبعد الحدود لأن البرامج وحدها ومناقشتها وتطبيقها هو الذي يوضح فيما إذا كانت هناك أية فواصل بين الأولويات.

 تبدو أحزاب الجبهة مهتمة بخلفيات ميثاق الجبهة بالنسبة للممارسة السياسية، فهناك ميل للحديث بشكل دائم عن نتائج الميثاق أو ما نجم عن تعديله، دون أن يكون هناك نقاش حول "الأدوار" الحزبية داخل الجبهة والبرامج المعدة بهذا الخصوص. أما خارج الجبهة فهناك أيضا تفكيك لهذا الميثاق والحديث دائما عن حدوده الضيقة. وعند كل الأطراف هناك ميل لتجاوز الواقع القائم الناجم عن وجود الجبهة منذ عام 1972. هذا الواقع رسم كل مؤسسات الدولة وبالتالي فإن أي حديث عن "حياة سياسية" جديدة لا يمكنه القفز فوق هذا الاعتبار الذي شكله الميثاق.

إن ملف الأحزاب الذي تقدمه سورية الغد لا يمكن قراءته بشكل مجتزء لأنه يشكل وحدة نسعى من خلالها إلى تحريض التفكير بهذه المواضيع وليس الوقوف عند حدود التصريحات أو المواقف السياسية.