كانت صفعة رغم كل التحليلات السياسية، فاغتيال بناظير بوتو يمكن رؤيته من زاوية مختلفة، أو حتى إعادة كتابته على طريقة "التدوين" التي ظهرت في عصر الانترنيت، فعندما اعتلا الخبر مساحة الفضائيات كنت أتذكر أنديرا غاندي، وكنت اعرف أن القضايا السياسية قادرة على استهلاك الجميع بمن فيه الإناث.

لكن النموذجين على تباعدهما بقيا يشكلان في عقلي خطا واحدا لما يمكن ان نسميه "الصور" السريعة، فأنديرا التي قتلها حراسها من السيخ، رفضت قبل موتها طلبا بإزاحة السيخ من حرسها الشخصي معتبرة أن مثل هذا الإجراء الذي يضمن سلامتها الشخصية، ربما سيكون فاتحة سياسية لـ"الاستبعاد"، أو لخلق "بدعة" تطيح بالهند في المستقبل.

بالنسبة لـ"بناظير" كان الأمر مختلفا، فالحديث عن صفقة سياسية لعةدتها لا يمكن أن يزيل صورة أخرى من الجرأة التي امتلكتها تجاه "التطرف"... فهي كانت تتحدث ربما عن عودة لمراحل سابقة، أو لصورة باكستان المعروفة بأنها إسلامية، ولكن مع تقاليد سياسية مختلفة.

في كلا الحالتين غابت أنديرا غاندي .. ورحلت بناظير بوتو... وبدى المشهد الاجتماعي في باكستان وكأنه ظهور لمرحلة "ماقبل الدولة" فهل تدفع القارة الهندية ثمن هذا التبدل الثقافي!! وهل صورة الاغتيال أصبحت ملازمة لنهاية أي عام يمسح وجهنا بالدماء قبل أن يودعنا؟

في كل التغطيات السريعة في الفضائيات كان هناك صورة واحدة هي سيرة ذاتية فقط، لكن عمق هذه السيرة كان غائبا، فالاغتيال لا ينهي الأشخاص أحيانا بل يترك تاريخم أيضا ليكتب على شاكل "الحدث"، بينما تتبعثر بتأثير الاغتيال الصورة الأخرى للقدرة على التحدي أو التمسك بالجرأة وسط احتمالات "القتل" و "التصفية" واستخدام الرصاص لإنهاء حقبة تاريخية.

المشكلة اليوم ليست فيم سيخلف بانظير بوتو... فبالعودة التاريخية فإن أنديرا غاندي كانت بوابة لاغتيالات أخرى طالت عائلتها، أما بانظير بوتو فعائلتها دفعت الثمن قبل ذلك. والأزمة ليست في "العائلات" السياسية بل في مسيرة هذه "المرأة" التي شوهت تماما برحيلها... وتم دمج الديمقراطية والإرهاب والقاعدة وطالبان بحادثة اغتيالها، بينما المسؤول عن رحيلها هو شأن واحد فقط هي جرأتها على تحدي واقع ثقافي طال باكستان منذ الثمانينات وحتى اليوم.

أتذكر اليوم "ضياء الحق"... والمدارس التي زرعت على طول الحدود مع أفغانستان، والأفغان العرب، وأخيرا التنظيرات الجهادية التي ظهرت في قمة الحرب الباردة لتغير من التكوين الشرق أوسطي.... أما الثمن الباهظ فكان عبر صور متلاحقة ربما ليس آخرها مقتل "بناظير بوتو".