أظهرت نتائج «المؤتمر الوطني الفلسطيني» وجود «محاولة جدية» من فصائل فلسطينية لإعادة صوغ الفكر السياسي الفلسطيني «يعطي الاولوية للارض على الدولة والمقاومة على السلطة». وابتعد المشاركون في المؤتمر عن مبادرة السلام العربية، وقطعوا مع «الحلول المرحلية وتأسيس دولة فلسطينية على حدود العام 1967»، مطالبين بـ «فلسطين من النهر الى البحر» مع رفض الاعتراف بـ «الكيان الصهيوني».

وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة» عن النقاشات التي دارت بين قادة المنظمات الفلسطينية قبل المؤتمر في شأن الورقة السياسية والنقاشات في لجنة صياغة البيان الختامي، بدا واضحا ميل الخطاب السياسي نحو التشدد لدى المنظمات التي تتخذ من دمشق مقرا لها.

وكانت الجبهتان «الشعبية» و «الديموقراطية» قاطعتا المؤتمر الذي عقد بين 23 و25 الشهر الجاري في العاصمة السورية بمشاركة نحو 900 شخصية بينهم قادة «حماس» و «الجهاد الاسلامي» و «القيادة العامة». ولم تلب «فتح» ولا السلطة الوطنية الدعوة. كما ان السفراء العرب والاجانب، باستثناء سفيري جنوب افريقيا واليمن، لم يستجيبوا دعوة اللجنة التحضيرية الموجهة الى جميع السفراء عدا الاميركي والبريطاني.

ومع ان اللجنة التحضيرية كانت وضعت «اقامة دولة فلسطينية على كامل حدود العام 1967» احد اهداف المؤتمر، فإن النقاشات التمهيدية ادت الى ازالة اي ذكر لحدود العام 1967، ذلك ان «الجهاد» هددت بالمقاطعة في حال الاشارة الى هذه المسألة.

وانسحب الأمر ذاته على النقاشات بين ممثلي الفصائل في شأن البيان الختامي. وقال لـ «الحياة» مسؤول شارك في النقاشات غير العلنية: «كان واضحا ان هناك محاولة لإعادة صوغ الخطاب السياسي بحيث يشكل المؤتمر نقطة انطلاق تقوم على رفض الاعتراف باسرائيل لا ضمنا ولا علنا وعدم الاقرار مطلقا بالكيان الصهيوني» اضافة الى «تجاوز فكر الحلول المرحلية التي بدأت في بداية السبعينات». ولوحظ ان الذين ساهموا في صوغ البيان ادخلوا مرات عدة عبارة «فلسطين من البحر الى النهر، ومن رفح الى رأس الناقورة» مع استعمال عبارة «الكيان الصهيوني» بدلا من «اسرائيل».

وحصل نقاش كبير ايضاً في شأن «شرعيتين: شرعية المقاومة وشرعية الانتخابات». وبينما كانت هناك فقرة في المسودة تتضمن «احترام الشرعية الفلسطينية بكل مقوماتها باعتبارها وحدة متكاملة مع التمسك بنتائج الاقتراع من شرعية رئاسية وشرعية اشتراعية»، ادت النقاشات الى تعديلها. واعتمدت فقرة بديلة تتضمن كلمات عامة تؤكد «احترام ارادة الجماهير التي عبرت عن وفائها وتأييدها خيار المقاومة بما افرزته نتائج انتخابات 2005» مع الاشارة الى ان «تجاهل خيار شعبنا في المقاومة ومحاولة الانقلاب عليه من شأنه ان يسيء الى الوحدة الوطنية ويعمق الأزمة».

ومن الأمور الأخرى التي حصل نقاش حولها، فقرة تتعلق بالحوار الفلسطيني. ذلك ان مشروع البيان تضمن «مطالبة الاخوة في فتح وحماس الاحتكام الى لغة الحوار والجلوس معا والتفاهم برعاية فلسطينية او عربية او اسلامية على اساس ما اتفق عليه في القاهرة في آذار (مارس) 2005 ووثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة»، غير أن ممثل «الجهاد الاسلامي» رفض هذه الفقرة. وعندما لم يستطع تغييرها، سجل تحفظه ورفضها على ورودها في البيان الختامي.

ومررت بسهولة فقرة تفصيلية تنتقد المؤتمر الدولي للسلام في انابوليس و «رفضنا نتائجه والمقاومة القائمة بين فريق اوسلو والكيان الصهيوني»، قبل ان يحصل نقاش في شأن اعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، حيث جرى الاتفاق بين الحاضرين على اعطاء الاولوية لـ«اطلاق حوار شامل» يسبق العمل على اعادة بناء مؤسسات المنظمة مع تجديد التأكيد على ان افراد فقرة لـ«حق العودة للاجئين والنازجين باعتباره حقا فردياً وجماعياً» من دون ذكر للقرار 194.

واشار المسؤول الى انه «لم تكن صدفة» ان وجه المؤتمر «تحية شكر الى سورية الصمود والممانعة، شعبا وجيشا وقيادة وعلى رأسها الرئيس بشار الاسد»، ذلك باعتبار ان دمشق تعرضت للكثير من الضغوط لعدم استضافة المؤتمر وتعرضت لانتقادات عربية واجنبية، اضافة الى رفض دول عربية اخرى تقديم الدعم ذاته.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)