طرحت الانتقادات الحادة التي وجهها تقرير فينوغراد الى أداء الجيش الاسرائيلي خلال حرب تموز في لبنان تساؤلات حول ما اذا كان الفشل في الحرب لا يعود في جزء منه ايضاً الى عدم مطابقة العقيدة القتالية للجيش الاسرائيلي مع الواقع الذي فرضته المواجهات غير المتكافئة من حيث موازين القوة العسكرية والتسلح بين الجنود الاسرائيليين ومقاتلي "حزب الله".
وذهب بعض المعلقين الاسرائيليين الى حد القول ان التفوق الكبير للجيش الاسرائيلي عتاداً وقدرات تكنولوجية لم يساهم كثيراً في حسم سير المعارك وبات "سيفاً ذا حدين" لا سيما في المواجهات العسكرية غير الجبهوية وفي حرب عصابات مثل التي خاضها الحزب واعتمد فيها بصورة كبيرة على الصواريخ المتوسطة والقريبة المدى التي لم ينجح الطيران الاسرائيلي في ضربها رغم آلاف الطلعات التي قام بها، والصواريخ المتطورة المضادة
للدبابات التي أثبتت المواجهات فاعليتها.
قامت العقيدة العسكرية الاسرائيلية منذ ايام بن غوريون على النظرية الهجومية بهدف تحقيق ما كان يسميه بن غوريون" الردع التصاعدي" ضد اعدائه من الدول العربية. وهذا ما سار عليه طوال الأعوام الماضية رؤساء الحكومات الاسرائيليون محاولين تطوير هذه العقيدة وتدعيمها سواء عبر بناء القوات المسلحة واعطاء أهمية كبيرة لسلاح الجو،ام عبر بناء أجهزة متطورة للإنذار المبكر.
ومع تغير نمط المواجهات بعد حرب تشرين عام 1973 من حرب تقليدية الى حرب عصابات عمد الجيش الاسرائيلي الى تطوير هذه العقيدة بصورة مناسبة بدءاً من اعطاء سلاح الجو دوراً أكبر في مطاردة المقاومين وضرب مواقع اطلاق الصواريخ او الاعتماد على الوحدات الخاصة المحمولة جواً للقيام بالمهمات العسكرية عوضاً عن الدوريات الراجلة من اجل تخفيف الاحتكاك مع رجال المقاومة وتفادي الخسائر البشرية.
لم ينجح الجيش الاسرائيلي في حسم المعركة خلال حرب تموز، ولم يفلح في تجنيب جبهته الداخلية التعرض للقصف، وفشل سلاح الجو في تحقيق السيطرة الكاملة على مسرح العمليات العسكرية، كل ذلك ألحق ضرراً كبيراً بالقدرة على الردع للجيش الاسرائيلي مما زاد كثيراً في حجم الهزيمة التي لحقت بهذا الجيش.
في أول رد لرئيس الاركان الاسرائيلي غابي أشكينازي على انتقادات لجنة فينوغراد قال :"حرب لبنان أظهرت التغييرات التي يمر بها الشرق الأوسط والتي تدل على احتمال حدوث مواجهة عسكرية على أكثر من جبهة واحدة". قد يشكل هذا الكلام نقطة البداية لعملية اعادة النظر في التوجه الذي تحكم بالجيش الاسرائيلي خلال العقدين الماضيين لا سيما ان هناك شبه اقتناع داخل اسرائيل ان ما جرى في صيف 2006 لم يكن مجرد مواجهة بين اسرائيل و"حزب الله" وانما مواجهة عسكرية غير مباشرة بينها وبين ايران وحليفتها سوريا. وكل ذلك لا بد ان ينعكس على عملية اعادة النظر في العقيدة القتالية.
من الأمور الاساسية التي طرحتها حرب تموز عدم القدرة على حسم المعركة من الجو. الأمر الذي دفع العديد من المحللين العسكريين الى اعادة درس دور القوات البرية التي على ما يبدو كانت الأكثر تضرراً من الانخفاض في موازنة الدفاع الذي بلغ عام 2006 خمسة مليارت شيقل. ويعمل الجيش الاسرائيلي اليوم على تطوير أساليب مختلفة لخوض حرب العصابات التي فرضها عليه "حزب الله" مثل انشاء فرق نخبة لمثل هذا النوع من القتال واعطائها حيزاً من الاستقلالية يسمح لها بسرعة التحرك ولا يكبلها بالهرمية
والتراتبية العسكرية لدى اتخاذ القرارات.
لقد كان اخفاق الجيش الاسرائيلي في حرب لبنان انعكاساً لفشل الحكومة الإسرائيلية في تحديد أهداف سياسية واضحة لها. فاذا كانت الحرب في جانب منها مواجهة غير مباشرة مع سوريا وايران، فالحكومة الاسرائيلية حرصت منذ أيام الحرب الأولى على طمأنة سوريا بأنها غير مقصودة. ورغم كل المعركة الشرسة التي كانت تخوضها اسرائيل منذ سنتين ضد حصول ايران على السلاح النووي وذهابها احياناً الى حد التهديد بالعمل العسكري، اذا بها تقف مكتوفة الأيدي في حرب تموز امام اول امتحان للقوة مع ايران رغم المعرفة الوطيدة لإسرائيل بأن الصاروخ الذي أصاب سفينتها الحربية هو من صنع ايراني وكذلك الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى التي يملكها "حزب الله".
في مواجهة هذا كله وتحسباً لما قد ينتظر لبنان، لا بد للقيادة السياسية للحزب ان تعيد النظر هي ايضاً في استراتيجيتها العسكرية ازاء اسرائيل ولا يكفي الاعلان عن جهوزيتها للحرب المقبلة .فما كان يصح حتى تموز عام 2006 لم يعد ينطبق على ما ستكون عليه الأمور بعد هذا التاريخ.

مصادر
النهار (لبنان)