كي تبقى الحملات الإعلامية فاعلة في أذهاننا فعلينا تذكر الحدث القادم، وهو بالطبع ليس "القمة العربية"، لأنها وفق الكثير من الأجندات الرسمية والشعبية حدث يتم فيها "تلطيف الخلافات" ببراعة كلامية يتضمنها البيان الختامي... فالحدث الحقيقي هو "رغبة الحرب" التي تبدو واقعيا جزءا من الإضافة للخطاب الإعلامية، رغم أنها النقطة التي يمكن أن تجعل المنطقة تعيد حساباتها من جديد.

فوسط الجدل القائم حول مسألتي الرئاسة اللبنانية وقمة دمشق، هناك مساحة يريد البعض جعلها هامشية، وهي مرتبطة بقدرة التغير في موازين القوى، حتى تصل الحملات الإعلامية إلى نقطة الإشباع بالنسبة للمواطن، حيث يجد نفسه أمام واقع لا يستطيع معه تكوين رأي آخر غير ما يتم رشقهم به عبر أجهزة الإعلام.

فعندما تحدث السيد حسن نصر الله عن "الحرب المفتوحة" نشطت التحليلات ثم اختفت بشكل سريع على إيقاع الاتهامات المتبادلة على مساحة الشرق الأوسط، لكن الأمر على ما يبدو مستمر، فوسط كثرة المعلومات يبقى في الظل كل الإجراءات التي تم اتخاذها بخصوص هذه الحرب، والمناورات الإسرائيلية المتكررة، أو حتى التحليلات القادمة من الكيان التي تتحدث عن "واقع" جديد يجب فرضه قبل فوات الأوان.

تحقق الحملات الإعلامية اليوم تغطية هامة في تشتيت الأهداف السياسية، وربما في إبعاد الأزمات الحقيقية القائمة سواء في العراق أو فلسطين أو حتى على مستوي مستقبل الشرق الأوسط عموما، ففي هذه الحملات:

 أولا: رصد لتسارع الأحداث بشكل ملفت للنظر، وفي ظل حالة من التضارب يصبح عرض الحدث بعيدا عن واقعه، بحيث ينسى المشاهد ما قبله أو ربما لا يستطيع مستقبلا وضعه في ترتيب المسار السياسي العام. فسمة الخبر الأساسي اليوم وظيفته في تجيش، فهل عدنا إلى النظريات الإعلامية التي كانت سائدة أيام الحرب العالمية الأولى!!

 ثانيا: لا يهتم رصد أو نقل المعلومة إلا بنمطية الحملة... ورغم ان الإعلام بشكل عام يجنح نحو "النمطية" و "الشخصنة" لكننا فيما يحدث اليوم نجد "نمطية" مختلفة لا تهدف إلا تشتيت الموقف السياسي، وتغييب الحدث العام لصالح المعلومة.

 ثالثا: يبدو أن العطش للمعلومات لم يعد هاجس الإعلاميين في ظل هذه الحملات، لأن المهم هو إعادة رسم "المقولات" بضم معلومات حتى ولو كانت متداولة على لسان كل الأشخاص. وهنا أيضا نجد أننا أمام كسر قاعدة تقليدية في الخبر... فالمسألة تبدو وكأنها تجميع مواقف بدلا من تجميع الأخبار.

كل هذه الفوضى تدفع على القلق ليس من الحملات، إنما من النهاية التي يمكن أن تصل إليها، ومن الغاية التي تبدو وكأنها "تذويب" للرأي العام ووضعه في مجال الشك أو حتى نقله إلى مراحل "ما قبل السياسة".... هذه الصورة تعيدنا إلى مسألة "الحرب"، لأن الحملات الإعلامية عودتنا غالبا ما تأخذ هذا الشكل قبيل الحروب... فماذا يستثني الخطاب الإعلامي هذه الإمكانية، ويحاول جعل حالة الاستباحة في غزة وكأنها على هامش الصراع "العربي – العربي"!!!