اعتذر عن كل الأصوات التي حاصرتنا في زمن الدماء، وعن التعابير الصفراء التي استقبلتك بها وجوه السياسيين، أو الباحثين عن مساحة من "النجومية".. فأنت "غزة" التي تتباهى بدماء أطفالها، وبقدرة نسائها على الخصب...

واعتذر من "الواقعية" الملوثة بعهر الكلمة، وبقدرة البعض على رمي الشتائم تجاه الجميع بينما يقفون مذهولين إذا بقيت نصائحهم "الواقعية" بعيدة عنا، فالمسألة بالنسبة لي ليست تضحية، بل رهان على المستقبل ورهان على حقوق كأنثى وحقوقك كغزة.. وعلى الحق في البقاء واقفين رغم نحيب الأرامل واليتامى...

في برنامج على فضائية L.B.C استطاع أحد الضيوف أن يوزع ابتساماته طوال الحلقة، ساخرا من الدم، وربما من المجتمع الذي استطاع رغم كل الظروف البقاء في أرضه.. والبقاء متمسكا بحق شرعي يمتلكه.. واستطاع هذا الضيف على أشلاء الأطفال أن يكتب اسمه في ذاكرتنا كرمز لزمن الهزيمة التي تقدم لنا أسماء كثيرة على انها خبراء... وبادعاء على القدرة في قراءة التاريخ والاستفادة من التجربة فإنه يقفز فوق حواجز القتل المستمر، لذلك فانا مدينة بالاعتذار لأن:

 الحقوق لا تسقط بالتقادم، وإنسانية الإنسان لا تحسب بهامش الحديث عن الإنسان، فحرارة دماء غزة ليست مجال مزاودات على مساحة الفضائيات.

 والدرس التاريخي لا يمكن قراءته في إيقاع الحرب، لأن الحروب تفرز العالم، ولا تجعل مجالنا لمنطقة رمادية يقف عليها بعض المعلقين "العرب" من لندن أو غيرها من عواصم الترف.

 والواقعية هي الانطلاق من أننا نملك حقوقا علينا أن نتعامل معها، لا أن نتركها لمهب الوجوه المبتسمة على الفضائيات التي تجعلنا نخسر المعركة قبل البدء بها.

اعتذر من غزة وأطفالها نيابة عن كل الإعلام الذي جعل الدم الحار مجالا لـ"السخرية" أو "الشماتة" أو البحث عن تحليلات تسترعي انتباه البيت الأبيض أو "الأسود".. فأنت غزة هاشم صديقة الجميع حتى ولو كنت في مقلب "إيديولوجي" آخر لأن ما يجمعني بك "حقي" في التعبير عن رفضي للموت ووجهي على الحائط... حقي في الحياة على جغرافية كانت وماتزال تعبر عن صوتي وعقلي وجسدي... وحقي في عدم النسيان بأن هناك أحقاد دفينة وضحايا وشهداء يرسمون تاريخي.. حقي في البقاء واقفة لا أن أعيش وأنا أصارع الحواجز وجدار الفصل و "الحصار الدائم"...