إنها إضاءة فقط على مساحة الثقافة الاجتماعية، مع التأكيد أن الملفات الثقافية لا تملك أولويات لأن التحول الثقافي لا يملك نقاط محددة يمكن البدء بها، فالحديث عن الزواج المدني هو في النهاية دخول في العديد من القضايا التي تمس جوانب وتفاصيل في الحياة، فتشعب الآراء حول هذا الموضوع يعكس بدقة التشتت في رؤية ثقافتنا الاجتماعية وربما انتمائها لعصر ولعالم متجدد كان من المفترض أن يكسر "الحواجز" التي يفرضها التراث مهما كانت.

وربما نستطيع منذ البداية تقديم مجموعة من النقاط التي تحكم الحديث حول مسألة الزواج المدني كموضوع حيوي سيستمر طالما أن "التحول الثقافي" مازال يقف عند حدود المحاولات الفردية:

 أولآ: إن الزواج المدني ليس فقط "بيئة تشريعية" فمع ضرورة وجود هذه البيئة لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى "فضاء ثقافي"، والتحول باتجاه "الزواج المدني" مرتبط إلى حد كبير بتطورات أخرى اقتصادية وسياسية تؤثر في "شخصيات الأفراد" وتعيد تحديد انتمائهم الثقافي لـ"الدولة" بمفهومها المعاصر.

 ثانياً: ملف الزواج المدني يبدو وكأنه عائم على مساحة باقي الملفات الشائكة رغم أنه جزء منها، فالمسألة لا تتعلق بحالات فردية بل بحقوق الفرد داخل المجتمع، وهي مسألة يتم تجاوزها وإلحاق الزواج المدني بقضايا أخرى "دينية" أحياناً أو "مذهبية" أحياناً أخرى، فالاعتراف بالزواج المدني ينتمي وفق هذه الصورة إلى سوية من "الوعي المدني" بالدرجة الأولى حتى ولو كانت التشريعات لا تجيز مثل هذا الموضوع. فالمهم هو أن تتشكل ثقافة اجتماعية تؤمن بأن الزواج "مسؤولية فردية" تقوم مؤسسات الدولة بالحفاظ على الحقوق داخل المؤسسة الناجمة عنه ، بينما تبقى التقاليد أو العرف أو المرجعيات الأخرى شأنا لا علاقة له بتقرير حقوق الأفراد في هذا الموضوع.

 ثالثاً: لا يمكن للزواج المدني أن يظهر كمفهوم من حالة ثقافية مطلقة، فهو مرتبط بطبيعة التفكير الثقافي ولكنه في نفس الوقت سيعتمد إلى حد كبير على الإنتاج الثقافي "الحديث" في مختلف المجالات، فهو نتاج الحداثة وما بعد الحداثة وبالتالي لا يمكن أن يظهر كشأن مستقل عن "ثقافة المجتمع".

 رابعاً: يبدو من الآراء التي يطرحها ملف سورية الغد حول الزواج المدني تشابك المرجعيات التي تحاول النظر إلى هذا الموضوع، فهو رغم كونه موضوعاً حقوقياً، لكن من الصعب أن نفصله عن كافة العوامل التي تحكم حياة الأفراد داخل النظام الاجتماعي، فالمسألة ليست "أشكالا"، والزواج في عدد من دول العالم يتم أحياناً في أماكن دينية لكنه كعقد يحمل واجبات وحقوق يصبح من اختصاص مؤسسات الدولة، وبمعنى آخر فالإيمان قد يعطي صفة خاصة لمثل هذا الارتباط لكنه في النهاية يصبح مسؤولية متعلقة بالتنظيم الحديث للمجتمع فور الخروج من المكان الذي تم فيه العقد.

الملف يبقى مفتوحا لأن ما قامت به سورية الغد هو محاولة لتحرك الآراء وليس "ورشة عمل"، فالإضاءات في النهاية لتأكيد أن "الزواج المدني" مسألة حاضرة بكافة أبعادها في "قضايا" الغد السوري.