هل يحق لنا أن نحاول فهم ما يحدث اليوم ما بين الرياض ودمشق، أو حتى استيعاب مسألة "تنقية الأجواء" أو المصالحة العربية من زاوية البحث عن نقطة ارتكاز واضحة؟ ودون أدنى شك فإن المصالحة بحد ذاتها مصطلح يدعو للشك لأنه يستدعي على الأقل وضوحا في نوعية الخلافات التي تكتمت عنها السياسات، وظهرت في "الوسائل" البديلة، لأن الإعلام تم استخدامه ببراعة لكي ينطق ما أراد النظام العربي بأكمله "السكوت" عنه....
هناك تبدل واحد حدث منذ ثماني سنوات وحتى اليوم يدفع للحديث عن تغير في العلاقات العربية – العربية، وعلى الأخص في المحور القديم المتجدد: الرياض – دمشق – القاهرة، فما أن انتهت ولاية الرئيس جورج بوش أو حتى خفت حدة الحديث عن حروب استباقية جديدة ظهرت بوادر المصالحة التي أطلقها العاهل السعودي من الكويت، وبدأت تتشكل ملامحها بشكل سريع قبل أن يأتي موعد "قمة الدوحة"، علما أنه خلال تلك الفترة عصفت ثلاث حروب يمكن وصفها الأعنف في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، لكنها على ما يبدو لم تستطع أن تحرك استراتيجيات جديدة، بل مشت باتجاه تعميق الاستقطاب في المنطقة رغم انتهاء الحرب الباردة.
ولكي نتمتع بذاكرة قوية فربما علينا جمع الأرشيف الذي أطلقته عدد من الفضائيات منذ احتلال العراق وحتى اليوم، وهو موضوع لا يتعلق بـ"عرقلة" جهود تنقية الأجواء، بل لاستيعاب أن المسألة كانت أكبر من أزمة وأن ما يمكن ان يحدث مستقبلا يمكن بناؤه خارج "الحدود الأمريكية" التي ضمت على ما يبدو "ولايات افتراضية" لكنها في نفس الوقت كانت تتبع قانونا مركزيا وليس فيدراليا كبقية الولايات في الاتحاد الأمريكي.
والبعض يرد ما يحدث اليوم إلى الدماء التي سالت في غزة، لكن وبجردة حساب سريعة يمكننا ادراك أن الدماء كانت تسيل دائما في غزة، وأن من سقطوا في لبنان والعراق هم بنفس المرتبة مع شهداء الحرب الأخيرة على غزة، فإذا كان صحيحا أن ما قامت به دولة الاحتلال أعاد رسم الصراع داخل موقعه الحقيقي، لكننا تعودنا من سياسة "النظام العربي" أنه نادرا ما يتأثر بـ"الكوارث القومية" لأنه على ما يبدو مشغول أكثر بإعادة "تشغيل" آلياته السياسية "دوليا"، واستخدام كل ممكنات "العلاقات العامة" حتى تبدو صورته أكثر "بهاء" داخل أروقة الأمم المتحدة.
"تنقية الأجواء" هي في النهاية شأن مطلوب، لكن الحديث عن ان "الخلاف لا يفسد للود قضية" هو أمر خارج عن منطق ما حدث سابقا، لأنه ارتبط بقضية الوجود، وبتفسير وجود "إسرائيل" والمقاومة، ووفق تحليل الخطاب الإعلامي منذ ثماني سنوات وحتى اليوم، فإنه لم يكن خلافا بل تناقضا نحن اليوم في غنى عن تفصيل مفرداته، إلا أنه في النهاية يفترض على الأقل البحث بشكل أوسع عن مستقبل "التنقية" التي على ما يبدو مازالت تسير وفق "إجراءات" سياسية وليس انطلاقا من إستراتيجية مرتبطة بالصراع مع العدو.