ربما لم تحسم واشنطن كامل أوراقها، وهو ما يبرر جزئيا استمرار البحث بملفات كان من المفترض أن تغلق مع رحيل إدارة بوش، فما يحدث داخل "الإستراتيجية" الأمريكية أنها لم تستكمل حتى اللحظة فتح أي منفذ واقعي في علاقاتها مع مناطق الأزمات، وهي قامت بعملية استبدال سريعة للحلول بـ"مناخ" مريح فقط، مع عدم وجود عوامل قادرة على وضع مساحات عمل حقيقي.
الملف النووي السوري واحد فقط من الأزمات المستمرة، وهو يطفو أو يغرق تحت مساحات من البحث والتمحيص، والشد أو الجذب الذي لا يصل إلى حدود واضحة، فالمسألة تتم معالجتها وفق نفس السياق الذي سارت عليه في ظل "حقبة" الضغوط أو حتى الحروب التي خاضتها الإدارة الأمريكية السابقة، بينما تسير ملفات أخرى وبشكل ذاتي على أساس "الأجواء" المريحة، وربما من أهم هذه الأمور مسألة المصالحة، فالمساحة السياسية القائمة اليوم تتسم بالتناقض، وبتداخل الأزمات ولكنها في نفس الوقت تتسم بأمرين:
الأول أنها لا تحمل "صفقات" لأن تطور الملفات جعلها خارج هذا الإطار، وأقصى ما تستطيع أن تقوم به الإدارة الأمريكية حيال "الملف النووي" السوري على سبيل المثال هو تجاهله بالتصريحات، في وقت تقوم آلياتها داخل مجلس الأمناء للطاقة بالتحرك وفق نفس السياق السابق.
الثاني أنها تقوم على أساس "التوافق الذاتي"، فما تستطيع أن تنجزه الدول إقليميا يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بالبناء عليه، مع "زخم" معنوي كما فعلت في قمة شرم الشيخ.
هذه الصورة لا تحمل معها "انفراجا" بل على العكس فهي تترك الأزمات الأخطر تتفاعل بشكل سريع، وهو ما يهدد أجواء "الانفتاح" الأمريكي بالتحول سريعا في حال احتدمت الأزمات العالمية الأخطر، مثل الأزمة المالية، أو الوضع المتفجر في أفغانستان، وبالتالي فإن الكثير من المواضيع العالقة بينها وبين سورية لن تحمل تحولا، لأنها متروكة لتصبح روتينا داخل المؤسسات المختصة و "المسيسة" أصلا، فالملف "النووي السوري" يلبس قبعة الإخفاء ثم يظهر فجأة طالما أن التحول الدولي عالق في مساحة المجهول.
بالطبع فإن السياسة السورية تجاه هذا الموضوع تبدو متحركة وتحاول إبقاء هذا الأمر ضمن حدود متعلقة بسيادتها، وأيضا ضمن بداية "الرواية" التي تحولت من اعتداء إلى "محاسبة لسورية" أو تفتيش عليها، ولكن في النهاية هناك عودة إلى بداية الأزمات ربما لإعادة صياغتها عربيا قبل أن تصبح مساحة للتحرك الدولي.