إعلان الرئيس المصري حسني مبارك عدم حضور القمة يدفن وبشكل سريع مسألة المصالحة، فهي على ما يبدو وميض إعلامي يستهلك الوقت المتبقي من الزمن بانتظار أي حدث "أمريكي" جديد، لكن القمة تملك "تحديات" يمكن ان تواجهها، والاحتمال الأقوى أن ترحلها لزمن آخر، فقبيل "القمة العربية" ستدخل الحرب في العراق عامها السابع لترسم طيفا من الذكريات عن آخر قمة سبقت الاحتلال، وربما كشفت ان مشكلة النظام العربي لا علاقة لها بالآليات السياسية بل بطريقة التفكير السياسي، أو بالقناعة بان "القدر" يرسم دائما ازمات واحتلالات متكررة.
عندما لاحت الحرب على العراق كان الجميع يملك موقفا متناقضا ما بين نظرته إلى "الحكم" العراقي وإلى "شرعية الحرب"، أما النظام العربية فكان يمتلك "عدم الحيلة" فقط وكأنه ينتظر الحدث، أو يشعر بأن "الاحتلال" ربما سيعيد رسم الأدوار في المنطقة. فالمواقف الدولية كانت على الأقل تستشعر الخطر، بينما أوحى مؤتمر القمة أن مسألة الخطر شأن يتعايش معه الجميع، وربما لا حاجة لقراءته أو دراسته، فهل هذا الظرف يذكرنا بما حدث قبل وخلال قمة الكويت!!!
وإذا كانت القمة القادمة لا تحمل نفس الصورة لكنها على الأقل تنعقد بنفس "الروح"، فالأزمة بالعراق على ما يبدو "منتشرة"، وهي تغير من التكوين السياسي الشرق أوسطي على الأقل، فالخطر المتسرب إلينا لا يعتمد فقط على مسألة التغير الذي وعد به أوباما، لكننا مصرون على احتمال واحد، وعلى صياغة سياسية هي نفسها التي ظهرت قبل احتلال العراق وبعد حرب غزة وقبل حرب 1967، وقبل نكبة فلسطين، وربما ستكون قبل انفراط عقد "الثقافة" التي شكلت الجامعة العربية!!
عمليا فإن المشكلة ليست في "الخلافات العربية" التي نصورها وكأنها وجهات نظر بينما هي أعقد من أن تتشكل بالمصادفة أو بالمزاج فقط، فهي مرتبطة بكل ما هو استراتيجي في حياتنا، فإذا كان الخلاف والاختلاف سمة التجمع البشري، ولا تخلو قمة في أي مكان من التباين والاختلاف، لكننا نعبر حقيقة عن تناقض نعيد صياغته في صورة "خلاف" ثم نسوقه على شاكلة القبائل التي يمكن أن تتقاتل بسبب "داحس والغبراء" أو على شاكلة "حرب البسوس".. فالخلاف هنا لم يصبح جزء من الثقافة التي تجمع "الدول العربية"، لأننا على ما يبدو نريد الجميع على قياس واحد، ونريد للرأي المطلق أن يصبح سيدا في أي اجتماعات.
ورغم "الدم" و "الموت" فإن ثقافتنا الاجتماعية والسياسية ماتزال تحمل نفس الشكل الذي يولد "الاستباحة، ويجعلنا في دائرة "الاحتمال" الواحد، والقائم أساسا على أن "لمّ الكلمة" أو الشمل يمكن أن يأتي بالاستثارة والنخوة، وأن النصر يمكن أن يكون بالجهاد و "فورة الدم"، في زمن اصبحت الدول والحروب شأنا معقدا أكثر من تفكير البدوي الذي يفكر بـ"الغزو" والمغانم.
ربما سارع الرئيس مبارك إلى محو "الأمل الإعلامي" لكنه في نفس الوقت ذكر الجميع بأن الصورة باقية كما هي، وأن "نوعية" الاختلاف لا تبدو أنها تقف على مساحة من "الإدارة" أو حسن التعامل مع الأزمات، بل هي مرتبطة بنيويا بنوعية النظام العربي وربما بكل تفاصيله الأخرى.