لم تعد لمسألة في الدور السوري، أو حتى في انتهاء الزمن الذي لف المنطقة على امتداد السنوات السبع، فزيارة الرئيس بشار الأسد إلى النمسا تفتح على الأقل مسألة التداخل الدولي وسط تحولات الشرق الأوسط، فالمنطقة على مساحة متناقضة ما بين "إستراتيجية الانفتاح" وتشتت الأزمات الذي يبدو أنه يسبح اليوم على مساحة من التصريحات.

والواضح أن دمشق تحاول استبعد مسألة التوجهات الإقليمية وعلى الأخص بالنسبة لـ"إسرائيل"، فمتابعة التفاصيل "الإسرائيلية" توضح أن "الدبلوماسية" تسير نحو فراغ كامل، حيث لا يبدو أن كل ملامح "الواقعية" الأمريكية يمكن أن تعيد ترتيب ما يحدث في أروقة "مجلس الوزراء الإسرائيلي"، أو تخفف من حدة لهجة ليبرمان، وربما لهذا الأمر بذات فإن البحث في الدور الأوروبي يبدو مهما لاعتبارين:

الأول مرتبط بتوسيع الأدوار في مسألة "التسوية" التي بقيت حبيسة التحرك الأمريكي خلال مرحلة بوش وربما قبلها، ودمشق طالبت أوروبا أكثر من مرة بضرورة التدخل أكثر في هذا الموضوع، لكن التطور الأبرز كان دخول العامل التركي في مسألة المفاوضات، وربما يعكس هذا التكتيك نوعا من إعادة توزيع التوازن الذي بدأت به التسوية بعد عام 1990، عندما كان هناك راعيان لـ"السلام" غاب الأول نهائيا بينما احتكر الثاني كل العملية وبدأ يتحدث في أواسط التسعينيات عن "الشريك الكامل"، ثم انتهى باعتزال واضح طوال السنوات الثماني الأخيرة.

الثاني إعادة رسم العلاقات مع أوروبا بشكل مستقل عن مطبات الأزمات الشرق أوسطية، فبعد احتلال العراق كان واضحا أن هذه العلاقة مربوطة بسير الأزمة وبإرادة الولايات المتحدة في التعامل معها، وهو شأن أدى إلى صياغة المنطقة على طريقة المحاور الكلاسيكية التي سادت فترة الحرب البارد، وضمن بعض المؤشرات فإن دمشق ربما لا تريد لهذا الأمر أن يصبح قاعدة بحيث يتم ربط علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بشروط متشابكة مع الأزمات العالقة بين إيران وأوروبا، أو حتى التعامل مع دبلوماسية سورية تتجه شرقا وكأنها موجهة نحو أوروبا أو الولايات المتحدة.

هذين الاعتبارين يقدمان صورة تبدو مختلفة بشأن الدور الأوروبي الذي يمكن أن يشكل ذاته من جديد على ضوء التحول العالمي، وربما تبدو النمسا بوابة "مستقلة" لهذا الأمر، فهي نقطة يمكن البدء بها رغم أنها لا تملك هذا الثقل السياسي على المستوى الأوروبي، إلا أنها في نفس الوقت دولة لها خصوصيتها في هذا المجال وربما تجربتها أيضا.

أوروبا في النهاية نقط تلاق وليست تباعد، وهي ربما توصلنا إلى مساحات سياسية إضافة لكن الأمر يبقى مرتبط بقدرة الدول الإقليمية على إعادة أزماتها خارج الفوضى التي ظهرت بعد الانتخابات الإسرائيلية.