كانوا من زمن آخر، وربما من المفارقة اليوم الحديث عن شهداء لم يحملوا سوى فكرة أشعلت بعد أن علقوا زمنا مختلفا، لكن فكرة المشنقة استمرت أيضا حتى ولو لم تخلق شهداءها الجدد، فصلب الأفكار مازال الطريقة الأسهل للعلاقات التي تحكم "النخب" أو حتى "المجتمع"، ومازالت أيضا انعكاسا لـ"منافسة" تأخذ مشهدا خاصا فتصبح مبارزة أو مسابقة لمسح الأفكار أو "إعدامها".
هي أكثر من مسألة حرية لأنها تحمل معها "جغرافية" التنوير أو البحث عن ضوء جديد، فالمشانق اليوم أصبحت "رقمية" و "الشهداء" هم وجوه مجهولة تقرر الابتعاد أو الانزواء طالما أنها محكومة بالفضاء الافتراضي القادر على التلاعب أو تسيير الحملات ضد أي "شبهة" في البحث عن التنوير، فعندما يأتي السادس من أيار نرتحل بعيدا عن "ساحة" المرجة التي غدت رمزا، وننطلق باتجاه ساحة كونية يعبث فيها الإعلام على طريقته، أو ينظم مسيرته وفق هواه، ثم نتوقف لقراءة ملاحم في مقارعة الرأي الآخر، وفي إخراج صحف ومواقع وفضائيات على شاكلة "الموجة الثالثة" التي وصلتنا "منقبة"، وقادتنا لترتيب الحداثة وفق الحالة التي تلاءم مساحة "جمال باشا" كأب روحي لحالة "السفاح" المقترنة بكل القيم المشوهة.
مشانقنا اليوم لا تحتاج لجمعية "الاتحاد والترقي"... ولا لظروف الحرب العالمية الأولى أو لمؤتمر باريس... لأننا محرومون أساسا من إعادة التفكير بنقاط البداية، فهي "لسان خشبي"، وهي مخالفة لليبرالية وربما عودة للوراء.. ومشانقنا أيضا في الابتسار والتسرع وصياغة الثقافة على مساحة الانجاز الضيقة، وخلق حدث سريع تنتهي عنده كل القضايا بينما نبقى في الزمن القديم.
عيد الشهداء ابتدأ بالمفكرين وليس بالمقاتلين، ويمر اليوم أيضا بالمفكرين الذين أصبحوا أسيري الساحة الرقمية في الاختصار أو التواصل، أو القفز فوق المصطلحات حتى ينافسوا النجوم...
مشانقنا اليوم هو التحول الفكري إلى مادة للفيديو كليب... بينما تبقى الساحة الرقمية خارجنا فضاء
مفتوحا للمدونات التي تعيد كتابة "الرأي" و "الإعلام"، وحتى الأفكار وتتركها تسبح في نظرية جديدة هي في النهاية خلاصة البحث بدلا من التسرع، وربما شكلا للهروب من الطابع الحدثي والاستعراضي الذي يلف العالم اليوم.