ربط ضروري ليس فقط لقراءة التحرك السياسي السريع باتجاه إعادة إنتاج سيناريو للتسوية، بل أيضا لوضع المساحة الحقوقية التي سيحملها "رئيس السلطة" معه إلى دمشق أو غيرها، وإذا كانت السلطة، وحتى النظام العربي، خارج المسائل الأولى التي ظهرت عليها بوادر الصراع مع إسرائيل، فإن الآلية السياسية أيضا تتشكل على وقع ما أسسه الاحتلال، وربما أصبح الواقع اليوم معقدا من حيث التكوين السياسي بحيث يصبح الحديث عن "فلسطين" أمرا افتراضيا لأبعد الحدود، وهو ما أقنع البعض بأن وجود "إسرائيل" هو شرط أساسي لظهور "الدولة الفلسطينية".

معادلة غريبة يحملها التحرك السياسي ابتداء من حل الدولتين ووصولا إلى المشاورات العربية حول "المبادرة" التي تبدو وكأنها "تراث" سياسي ينتظر الأجيال القادمة حتى تقرأها وربما تضحك من الأسلوب الذي وضعت به، فعندما نصل اليوم إلى فكرة "الدولة اليهودية" فإننا نضع أنفسنا أمام المأزق الأساسي لوجودنا، أو الاعتراف بأننا نحتاج لـ"عدو" حتى نبني "السلام"، فأن تقنع الولايات المتحدة بهذا الحل فهو شأنها كدولة عظمى أو إمبراطورية تفرض إستراتيجيتها، أما أن نجعل أنفسنا أسرى هذا الطرح فهو شأن آخر علينا محاربته ولو على الصعيد الثقافي.

السياسة اليوم تبني "وهما" في حل الدولتين، ومن منطق خارج عن واقع وطبيعة الصراع، أو احتمالات تطوره وتراجعه، فـ"إسرائيل" ليست كيانا استعماريا فقط لأنها واقعيا تأسس لثقافة أخرى تتجاوز حدودها، وتدفع المجتمع نحو التطرف لمجرد التعريف فقط بانها دولة "يهودية" بطابع ديني يخالف كل توجهات التأسيس الأولي الذي بدأت عليه ما يطلق عليه "النهضة العربية".

يمكن أن نفهمها "واقعا" قائما مدعوما بشرعية دولية، ويمكن أن نقرأها بمنطق القوة وقدرتها على "تأديب" من يرفضها"، ويمكن أن نفهمها بعمق أكبر على انها اختراق ثقافي لكل التيارات التي أرادت التوجه نحو الحداثة، حتى ولو بدت بشكلها "الديمقراطي الذي دار بعد ستين عاما ليبدأ من جديد بتحديد "هوية دينية" ظهرت عليها "إسرائيل" وستستمر رغم كل الهياكل التي ظهرت فيها كآلية لـ"بناء الدولة".

المشروع "الإسرائيلي" لم يتعثر بعد طالما أننا نفكر بها كشرط ضروري لوجودنا وبقاءنا، بينما تبدو على امتداد الأعوام انها نقطة التشويش لهذا الوجود، فعليها انقسمنا وغيرنا أنظمتنا السياسية، وعلى إيقاع حروبها المتتالية ضدنا "روضنا" حقوقنا بشكل مبتكر، وتحول تفكيرنا بعد عام 1967 في أكبر ردة على تاريخ النهضة.... "إسرائيل" لم تتعثر بعد لأننا "المتعثرون" بالخطوات السياسية وبجولات "عباس" المتكئة على دم فلسطيني مهدور في غزة والخليل.. وأخيرا على "مبادرة" عربية مكتوبة بمنطق مساواة وجودنا ببقاء "إسرائيل"...