ليست أزمة.. فبعد 61 عاما أصبحت على شاكلة الجسد المهترئ، ومن يفكر بها يعرف أنها مغروسة بالخاصرة، وأن تبدل الأسماء لا يعني سوى إطالة الزمن، فكنا نقرأ عن احتلال واغتصاب، واليوم "نسمع أو "نشاهد" عن حلول الدولتين، وما بين الزمنين تقف الصورة لأن المساحة تضيق والحق يصبح على جدار فاصل كنا نضحك ونحن نشاهدهم يرفعونه.

ما بيني وبين فلسطين كان أسلاكا شائكة حسب الأناشيد والأغاني التي لقنوني إياها، بينما أستطيع اليوم تمييز جغرافية جديدة لا تحوي سوى أسلاك سياسية قادرة على كشفي من بعيد، ومعرفة أنني أحمل في خاصرتي روحا مضطربة من الشتات، فلا قنابل أو أسلحة تحت ثيابي، بل مجرد تفكير يلاحقني الجميع عليه، فأشاهد صورا جديدة ولا أستطيع البكاء، وأرسم مساحة منزلي على ظهري ربما لأشعر بثقل ما حدث، بعد أن تم تحويله إلى خطوط متقاطعة من الخلافات والمبادرات، ومن الحصار والاختراق، وأخيرا من قضايا حقوق الإنسان التي حولتني لمواطنة "عالمية" أو بلا حدود.

صورة فلسطين لم تتغير رغم كل المصطلحات، فهناك قرى ممسوحة، وأجيال لا تعرف من أوطانها إلا ما تسمع صدفة في نشرة الأخبار، وصورة فلسطين ليست واقعا فهي "التراث الحقيقي" الباقي بينما يعتلي "الزمن الإسرائيلي" وفكر "الاغتصاب" منابر أصبحت ناطقة بالعربية، فلماذا نحاسب على الحلم وسط عربدة "عسكرة المنطقة"؟ ولماذا عندما نحاول ان نتخيل المستقبل يسكبون على وجوهنا حبرا من القرارات الدولية؟!!

أن نبحر اليوم في فلسطين هو أمر افتراضي، وأن نتذكرها ولو على صفحات الانترنيت ثم نعيد كتابتها من جديد كي نستطيع رسم واقع آخر، هو أمر ليس محرما بل يدخل في مساحة "العار" كما يفهمها "التراثيون"، فتراثيو السياسة يرون "الإجراءات" تعاليم جديدة ووصايا إذا خرقناها فستشهد تيها جديدا أو عناقيد غضب أو "رصاصا مسكوبا"، لكنني وسط النوايا الحسنة أريد أن أحلم بفلسطين وأن أبكيها... أن أرسمها على وجه الأطفال وردة حتى ولو كانت اليوم مجرد خيالات.. فهي فلسطيني.. دماء من سقطوا أمامي.. وحلمي في أن تكون العودة لونا يخطفني إلى يافا.. لونا يجدد الخصب فيصبح الحلم بيتا أراقب فيه البحر الفلسطيني من جديد...