بالفعل هناك خطر إيراني ولكن على سياق مختلف، فالجرأة التي تدفع نتنياهو للحديث عن وجهات نظر عربية و"إسرائيلية" حول الخطر الإيراني ليست قادمة من الفراغ، كما أن تصريحات "فليتمان" تجري في نفس الاتجاه الذي يرسم صراعا على "طريقة" السيناريو القادم، فالخطر الإيراني بالطبع قادم عبر العبث الحالي بإمكانية التوازن الجديد الذي ظهر كردة فعل سريعة على احتلال العراق.
بالطبع فإن المساحة التي يتحدث عنها نتنياهو مختلفة تماما لأن "الصراع" العربي مع إيران يتم بناؤه خلف الكواليس، وهو في نفس الوقت لم يعد ممكنا فقط بـ"الإشارات" السياسية التي بدأت مبكرا وبعد احتلال العراق بفترة قصيرة، وهو ما سيدفع نتنياهو إلى حمل أوراقه باتجاه واشنطن مستخدما "التأخير" الأمريكي في حسم الأزمات ليبشر بـ"أزمة" جديدة يمكن خلقها على عجل.
عمليا فإن "الخطر الإيراني" يظهر في العامل الاستراتيجي الذي تبلور من خلال الامتداد الشرقي لجبهة الصراع مع "إسرائيل"، وهو ظهر على أشلاء "العامل العربي" الموارب الذي بقي قادرا على المساومة والانتقال من طاولة مفاوضات إلى أخرى، دون ان يملك أي بعد استراتيجي، ودون يفكر حتى في بناء "الأدوار" الإقليمية التي كانت تتآكل سريعا بفعل "انهيار" الجبهات العربية سريعا.
وعندما يتم الحديث عن "إيران" اليوم داخل الجانب العربي فإن الوصف الذي يظهر يحمل كل صفات "الإطلاق"، بحيث يتم تحديد ما هو مطلوب منها وكأنها دولة لا تملك سوى سياسة لكسب ود الجانب العربي كي يمنحها براءة من "الأطماع"... هذا الخطاب ليس جديدا وهو يستخدم دائما تجاه أي حالة سياسية، لكننا في الموضوع الإيراني نملك "جردة" حساب كاملة عن تدخلاتها في العراق والخليج، ويصل الأمر إلى الحديث عن "حركة تشييع" لا نلمس سوى جانبها الخاص بتصريحات أصحاب العمائم.
تحدي "الخطر" الإيراني هو مسار مستقل اليوم، وذلك بغض النظر عن كل التحليلات التي تتحدث عن "حسن نوايا" الإدارة الأمريكية، فما يحدث يتجاوز رغبة نتنياهو في ضرب إيران، أو حتى في استعادة القدرة على قطع الخطوط الإستراتيجية في المنطقة، لأنه يحمل معه صورة الارتباك الحاصل على مستوى الشرق الأوسط عموما من العودة إلى مفردات الصراع الأساسية، والرهان على أن "إيران" قوة إقليمية يمكن "كبح جماحها" هو شأن من خارج مفردات الصراع ضد إسرائيل، وفي نفس الوقت هو السيناريو القادم وبشكل أسرع مما نتوقع مادام نتياهو قادر على الحديث من على المنابر العربية، دون أن يشعر بالحرج من وزير خارجيته، ودون أن ندرك أننا غير قادرين على رسم سياسة تحدد لنا مصلحتنا أو حتى استمرار وجودنا.