هي صورة ليست بالنمطية، ولا تقف عند حدود ثرثرة "حازم صاغية" في حديث "الممانعة" وكأننا نقف على حدود من المقاربات السطحية، فعندما يتحدث "أوباما" فإننا في شريط قصير لا نتذكر "الهلوكوست" لأننا لم نعرف المصطلح إلا بعد احتلال فلسطين، ولم ندخل إلى مساحة العلاقة الإسرائيلية - الأمريكية إلا من نوعية الحرب التي تظهر فجأة لتحصدنا...

خطاب مختلف!!! نعم ...هو تحول عن الصياغات التي اعتدناها من رامسقيلد وتشيني وأخيرا جورج بوش الابن، لكنها في نفس الوقت تضعنا فجأة على المساحات التي خلقت الافتراق في "الممانعة"، وعلى عكس ما يعتقد "حازم صاغية" فإننا لا نبحث عن أوامر أميريكة ضد "إسرائيل"، فنحن نعرف أكثر منه أن "الليبرالية" في واشنطن لا تعمل بمنطق "الأوامر"، رغم أنها قادرة على إصدار أوامر لجيوشها بـ"سحق التمردات"، وبفرض الحروب وحماية الانقلابات أو الثورات الملونة التي اجتاحت العالم في حقبة "بوش"، وندرك أيضا أن الممانعة هي شأننا وليس شأن الرئيس الأمريكي، وأن الخطاب الذي ظهر وكأنه عرض هوليودي طويل لا يجعلنا نقف لنحلل محتواه بل "محتوى" ما يصدر عن الآخرين، لأن "الممانعة" هي ضدهم وليس ضد الولايات المتحدة.

خطاب أوباما طالبنا ببداية جديدة وبعدم الرجوع إلى التاريخ، وهو شان منطقي في بلد يشكل خلاصة العالم، ومساحة انطلاق لكل شعوب الأرض منذ أكثر من ثلاثة قرون، لكن هذا التاريخ الذي يتحدث عنه حدد مستقبلنا، وأعاد رسمنا بلا هوية، وهذا التاريخ لم يجعلنا بعد "سكانا أصليين" تنتهي هويتهم في المتاحف كما حدث في الولايات المتحدة أو استراليا... وهذا التاريخ أيضا لم ينته بحدود 1948 ولا بالخامس من حزيران عام 1967، فهو مستمر في رؤية علينا أن نثبت "حسن نيتنا" تجاهها لتزول الصورة النمطية عنا...

التوجه الأمريكي ليس مهما في مساحة سياسية وفكرية رمادية التوجه... وإستراتيجية واشنطن في النهاية لا تقف عند مواقف الممانعة والاعتدال.... المسألة هي فيما يصدر عنا.. في موجات الترويج للسياسة الأمريكية التي لا تحتاج لترويج، فالدفاع عنها في النهاية هو لكسب معركة بين الممانعة والاعتدال، فساحة المعركة هي في داخلنا.

أوباما هو محطة ربما تطول لثماني سنوات، أما نحن فقادرون على المفاخرة بأن أطراف منا غير قادرة على استيعاب الخطاب الأمريكي أو التحول، وأمامنا مناورات"تحول3" تقودنا نحو نوعية الوجود "الإسرائيلي"، وخلفنا حرب غزة وفي ذاكرتنا حرب حزيران، فهل الممانعة مصطلح نتسلى به...

حياتنا منذ ظهرت "إسرائيل" ممانعة... عشقنا ممانعة... ثقافتنا تتأرجح على مساحة الافتراق السياسي.... وأوباما يحدثنا عن حقوق الأقليات من منطق له علاقة بوجود "إسرائيل" التي بقيت تقتلنا لأنها "أقلية" وسط "بحر" عربي....

لا نريد لأوباما أن يأمر "إسرائيل" كما يعتقد السيد حازم صاغية... لأننا كممانعين نهوى نريد منطقا يحكمنا فنكون أحرارا في أن لا نصفق للولايات المتحدة دون ان تأتينا صفعة من "المعتدلين" أو من "إسرائيل" لأن الولايات المتحدة "لا تصفع" بل تحتل وتقصف دون ان تسألنا رأينا.. هي أمريكا ونحن ممانعون لأننا نريد رؤية أنفسنا كما نريد والنظر إلى تاريحنا كما نهوى، وهو ما تمارسه "إسرائيل" دون ان يظهر لديهم من ينتقدها لأن الاسرائيلين "ممانعين" على الطرف الآخر من الصراع....