هذا العالم الذي تضيق مسافاته، فينتشر على وجوه سئمت البحث عن نفسها، أو كتبت أوراقا انتخابية "ستبدل" العالم، أو ترضي الغرور بأننا نقف على مفاصل العالم وربما ننسى أن هذا الوضع يضعنا في دائرة الخطر، ويجعل هويتنا في مهب الريح...

وهذا العالم يراقب الاستنفار السياسي في لبنان، وأمراء الطوائف يتنقلون بين الشوارع ويشاهدون "ديمقراطية" تنمو كل يوم على شاكلة "رياح الخماسين"، فتصبح مادة أمريكية وإيرانية وسعودية ومصرية، أما صور المرشحين فترتسم من جديد وكأنها ملامح لعالم لا يريد أن يتغير، ولأحزاب مفصلة على "طراز" أصحابها، بينما يزهو "الأرز" بقدرته على التطاول الافتراضي، وعلى اجتذاب نائب الرئيس الأمريكي ووزيرة الخارجية إضافة لجموع "الاستخبارات" التي اعتادت أن تظهر وتختفي في لبنان، في وقت "تظهر" التحالفات والاغتيالات والمواقف و "تختفي" بنفس الصورة التي ترسمها حرب الظلال على لبنان منذ 1860 وحتى اليوم.

هل هي كوميديا بشرية؟ أو ملهاة سياسية؟ أم انها صنف ثالث من التلهي السياسي الذي يجعل "الحسم" الشرق أوسطي معلق على "دوائر" انتخابية توحي بأننا أصبحنا أوراق خريف تتطاير وفق رياح الغرب أو الشرق، وحسب الهوى الديني أو العلماني أو المذهبي أو الطائفي أو اليساري.

ليست سخرية قدر، وهي أيضا بعيدة عن مساحات الجهل، لكن الانتخابات في النهاية مكتوبة وفق التكوين الذي يضعنا على "حد" قاتل فلا نعرف أنفرح بهذه الديمقراطية أم نحزن، ونبحث أيضا عن المعاني التي تغتال البعض لأنهم يقررون اعتزال البحث في الملف اللبناني الذي يوقف العالم ومجلس الأمن، ويدفعه لإصدار القرارات بينما تتسابق الدول لدفع الفواتير المستحقة، فهل أصبحنا على قدر من الأهمية تستدعي استنفارا عالميا؟ أم أننا نتلهى ريثما يبني العالم ما يريده على خرائب صراعاتنا؟!

هي مجرد أسئلة لا يمكن تصور الإجابة عنها في حمى الانتخابات... وهي أيضا ألبوم صور يتكرر دائما لكن نوعية الصراعات تختلف، فنكتب عن الانتخابات، ونرسم ملامح المستقبل ثم نتذكر أن لبنان يرتمي على مساحة الشرق الأوسط وكأنه "مخاض ثقافي"، ألم تبشرنا كوندليزا رايس بهذا المخاض في ذروة حرب تموز؟ ومن قبلها لم يبق فصيل إلا وتحدث عن المنعطف التاريخي في لبنان، أو عن المحطات الخطيرة في تاريخ شعوبنا وهي تمر بلبنان.

غريب أليس في العالم سوى لبنان حتى يصبح منعطفا ومحطة ومخاضا؟ إنه سؤال فقط لكنني لا أستغرب بل أتبرىء من هذا العالم المجنون.