هو بالفعل "خبر" من الطراز الأول يستحق المتابعة وتحمل عناء السفر باتجاه مدينة الحسكة لرصد 42 شقيقا أنجبتهم خمس أمهات لرجل يهوى "البنون" على حد تعبيره، وعلى الأغلب يهوى تكديس النساء مثل "الدجاج البياض"، لكنه يفاخر بأن "أولاده" هم لخدمة الوطن، كتعبير جديد عن "الموارد البشرية" التي على ما يبدو تستحق التوقف، علما أننا لا نعرف حسب الخبر الذي نقلته إحدى الفضائيات، هل الزوجة الخامسة فقدت قدرة الإنجاب فطلقها، أم تم ذبحها معنويا على الأقل كما يحدث دائما بالنسبة لـ"دجاج البياض".

المسألة من رؤية أخرى ستبتعد قليلا عن طبيعة الخبر، أو طرافة الحدث الذي يصور مساحة الفقر مع "زينة الحياة" بالبنين فقط، فصحيح أن معدلات الخصوبة في سورية، وهي من المعدلات العالية في العالم، انخفضت في السنوات الأخيرة، لكن التراث الاجتماعي يحمل في داخله أكثر من مجرد الخصوبة، وبمجرد رؤية رجل مهما كانت نوعية ثقافته يعتبر تعدد الزوجات نوعا من الثروة القومية القادرة على إنجاب "رجال للدفاع عن الوطن"، فإننا ربما سنعود من جديد إلى قانون الأحوال الشخصية، وإلى طبيعة التشريع الذي يتيح ظهور مثل هذا التفكير القادر على جعل الحياة تتلخص في "تكديس" اللحم ضمن غرف متفرقة، أو حتى في غرفة واحدة، ثم ينفث الدخان من شفتيه ويحلم بالعدد 100، أي أنه يفكر في تطليق زوجاته الأربع واقتناء أربع أخريات لتبدأ دورة "المتعة" من جديد، لأن "الثروة" القومية التي تحدث عنها لا تنطلي على أحد، فرجولته "فاقعة" في أولاده حتى ولو أصبحوا مجرد أرقام في حياة هذا البلد.

لنجد الكثير ممن يحلم بالرقم 100 أو بأربع نسوة، وربما علينا نبش سجلات الأحوال المدنية حتى تخرج لنا حالة نادرة تحمل أربع زوجات، لكن المسألة هي في امتلاك الحق بهذا الموضوع، فهو "حق معنوي" يوحي بالتفوق، وحق يبقى مسلطا على رقاب الإناث، وهو في النهاية رمز لفشل كل حركة التحديث والمعاصرة وتيار "الحقوق المدنية"، فما نراه في رجل أنجب أجيالا وتزوج خمس مرات أمر يتعدى الخبر وحالته الشخصية التي تستحق دراسة سيكولوجية معمقة، لأنها في النهاية مساحة مفتوحة للتفكير خارج "نطاق" المدن، وربما العودة لقراءة التكوين السكاني وطبيعة الثقافة الاجتماعية في "الأرياف" التي مازالت تزودنا بـ"الكشف" المبكر عن الفشل في إيجاد تحول ثقافي.

قانون الأحوال الشخصية فيما لو حمل أي إجراء ضد تعدد الزوجات فإنه سيجابه بالنص الديني أحيانا، وبطبيعة التفكير التراثي أحيانا أخرى، لكننا لا نستطيع التوقف عند حدود نقطة تاريخية واحدة، وإعادة إنتاجها حتى ولو فقدت واقعيتها، فالأحوال الشخصية اليوم تحتاج بالفعل لتيار ثقافي"، وربما لتأسيس نظري يحاول أن يبدأ من جديد دورة لتحرير المرأة والرجل وللبحث عن حقوق الأطفال الذين يظهرون ليحملوا معهم كل مساحة تراثنا!!!