لقاءات فريدريك هوف، مساعد المبعوث الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط، وصفتها التقارير بـ"الأمنية"، واعتبرها البعض دخولا إلى عمق المعادلة في الشرق الأوسط من البوابة العراقية، وهي من جانب آخر تملك مؤشرات واضحة على العلاقات بين البلدين يتم تحديدها من جديد، أو حتى صياغتها وفق معادلة كانت غائبة سابقا لكنها برزت مع التصادم الحاد خلال السنوات القادمة.
عمليا هناك أسئلة كثيرة تطرحها المباحثات الأمريكية - السورية الحالية، فالصيغة القديمة التي حكمت علاقة البلدين تعود إلى عام 1974، أي إلى إدارة الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون وسياسة وزير خارجيته هنري كينسجر، وهذه المعادلة كانت قادرة على الصمود الطويل رغم كافة المواجهات الإقليمية، فهل يرغب هوف بالعودة إلى هذه الصياغة؟
بعض التقارير تحدثت عن آلية جديدة للعلاقات الأمريكية - السورية، يتم من خلالها وضع الأزمات الحالية في "سلة" واحدة، ولكن دون أن يعني هذا الأمر "إنجاز" صفقة شاملة مع سورية، فالمطلوب أمريكيا اليوم الوصول لتفاهمات تضمن على الأقل التنسيق في ملفين أساسيين:
الأول يرتبط مباشرة بالعراق وهو أمر بات واضحا جدا في مباحثات هوف في المنطقة، مع ملاحظة أن المطلوب ليس تعاونا أمنيا مباشرا، بل تنسيق لوجستي يساعد الإدارة الأمريكية على تنفيذ انسحابها من العراق، فالأمن على طرفي الحدود في الوقت الحاضر مرتبط بأمن القوات الأمريكية في مرحلة الانسحاب، ولا شك أن هذا الجانب له آليته السياسية أيضا، فالمباحثات ربما لا تتطرق إلى الأمن الداخلي العراقي بقدر اهتمامها بمتابعة حركة القوات الأمريكية الخاضعة حاليا لبرنامج "الانسحاب" من العراق.
الثاني محاولة خلق فصل ما بين الملف الإيراني وأزمة الشرق الأوسط، وهو أمر شائك من الصعب التوصل إلى صيغ قادرة على حله لأنه حتى اللحظة مرتبط بمسارات التسوية، وبالسياسة "الإسرائيلية"، لكن الولايات المتحدة في نفس الوقت ترى أنه إذا كان من الصعب إبعاد سورية عن إيران، فإنه من الممكن تهدئة الأجواء مع دمشق عبر الحوار تمهيدا لفتح مسارات تسوية يمكن أن تستوعب هذا الملف، ويبدو أن هذا الأمر مازال بعيدا لأنه متشابك مع عدة قضايا ماتزال عالقة، وهو يحتاج لإرضاء أطراف متعددة لها علاقة المسألة الفلسطينية، وعلى الأخص "تيارات المقاومة"، ومن جانب آخر فإن ما كان يسمى "محور الاعتدال" له مطالبه أيضا فالمبادرة السعودية وقفت عند حدود مصر، ومايزال الموقف من تيارات المقاومة على حاله دون تبديل.
تمديد هوف لمباحثاته في دمشق يعني الكثير بالنسبة للملفات بين البلدين، ولمسألة الأمن الإقليمي، رغم أن بنيامين نتنياهو" يستبعد احتمالات الحرب، لكن في المقابل فإن معادلة "الأمن الإقليمي" تدخل الآن مرحلة جديدة لن تتبلور بسرعة لكنها تتكون على إيقاع العلاقات الجديدة للولايات المتحدة في المنطقة.