نقطة فاصلة تتحول بي نحو مساحة ما قبل "مرحلة الدراما"، أو السهر الطويل أمام الشاشة لاستعراض حلقات أصبحت تشكل "رمضانها" الخاص، فكلما اقترب "الشهر الفضيل" أصبحت المساحات أضيق، ومحشورة ما بين وجبتين، أو حتى مسلسلين، ولأن الدراما تفترق في الصورة على الأقل عن التراث فإنها ترسم المفارقة الباقية منذ أن دخلنا العصور الحديثة مسلحين بكل اصفرار الماضي.

في رمضان إيقاع لا تنقصه إلا الصور المتراكبة للدراما التي تجعلنا نبدل الإعلام بمشاهد مصورة، وبابتسامة النجوم وكأنهم جزء من التقليد، فاستبدلنا "الفوانيس" بصور الفنانين، وأعدنا كتابة إيقاع الحياة على "الشارة" التي تميز كل عمل وكأنه قادم إلينا ليفتح خيالنا، ويكتب نفسه على مساحة من الذاكرة المهترئة.

لكن المسلسلات بحد ذاتها تستحق أن نتوقف عندها لنعيد "الرسم الرمضاني" من جديد، فالمشكلة ليست في "أخلاق الصائم"، بل في الثقافة المواكبة له، وفي القدرة على رسم طيف خاص يغلفه في ساعات النهار فيشعره أن "الطقوس" ربما لم تتبدل، وأنه محط عناية "النخب الثقافية والمالية" التي أجهدت نفسها طوال الأشهر لتخلق له "مشاهد درامية"، ولتجعله في فضاء مختلف يذكره بأن الحياة هي نفسها منذ أربعة عشر قرنا مضت.

هي "احتفالية" خاصة يزعم "الوعاظ" أنها تلهي الصائم عن العبادة، ويدعي أصحابها بأنها أصبحت فنا رمضانيا خاصا، ويلتقي الطرفين عند نقطة واحدة لإيقاع الحياة الذي يريدون له البقاء على حاله، ويريدون أن يجعلوا منا أسرى للزمن الذي يفرض علينا، فيختصرون العام بشهر أو يكتبون ثقافة ازدهرت على إيقاع التفكير بـ"الزمن الميت" الذي يميز الصحراء أو "البيداء" أو الأموال التي جعلت "الدراما السورية" متفوقة، وجعلت ثقافتنا مثل "باب الحارة" يُغلق عليها بعد رمضان بأمر من "العقيد" الذي يضع أجندة الإنتاج في جيبه.

هذه الصورة أعادت رسم خيالنا من جديد، وجعلتنا منقسمين داخل معارك ثقافية على امتداد العام، على الأخص إذا كان "سامر المصري" سيترك باب الحارة، أو سيرحل الفنان ناجي جبر (رحمه الله) من "بيت جدي"، لكن المخرج بسام الملا سيتحدى بـ"بابه" من يكره الشام أو تعصب لـ"الشام العدية".... هل نحن أمام ثقافة أم وسط كتاب "بدير الحلاق" أو حتى "ابن كنان الدمشقي"... لكن المدونون السابقون لم يملكوا فضائيات للمباهاة الثقافية... وكانوا على الأقل قادرين على رسم مساحاتهم الخاصة، بدلا من اختراع مسافات تتلاءم مع "البترودولار" أو النزعات التي تتوهم الماضي على شاكلتها.

الخيال المكسر لا يقف عند حدود "رمضانية الدراما" وهي تعيد إنتاج الماضي، ولأننا مولعون بالأكشن الأمريكي فهو أيضا سيعيد إنتاج ثقافتنا على طريقة مكائد "دليلة والزيبق"... فتنطلق النزعات المريضة أو محاول استنساخ المافيا الأمريكية ولكن على طريقة عنتريات الشرق.... ثقافة ستنهمر علينا في "رمضان الخير" مثل القضاء المستعجل... فتأهبوا