المسألة ليست نقدا فنيا، أو انتقاص من "الإبداع" المنهمر عبر كتاب السيناريو والمخرجين وشركات الإنتاج، لأن النقد هنا "نقد ثقافي"، أو مقاربة ثقافية دون أي ادعاء بأننا نمس "حرمة الدراما" أو القائمين عليها، فالجيل الحالي من "الدراميين" كان قبل أكثر من عقد من الزمان يشبعنا "نقدا ثقافيا"، ويتحدث عن الترويج والتسويق و "يبدع" بابتكار المصطلحات الثقافية حول انهيار المسرح نتيجة التلفزيون، أو "سرقة" الدراما لكبار الفنانين، وهذا النقد الثقافي بالدرجة الأولى ربما لا يمس "فنيات الأعمال".

راقبوا الدراما جيدا، وتعرفوا على نوعية "العلاقات الاجتماعية" داخلها، وحاولوا قراءة العقل الاجتماعي في عملية التعميم لمناطق تسليط الضوء التي تقوم بها .... حاولوا أن تقرؤوا "الخيانة الزوجية " من منظور سير العمل الدرامي، أو شخصية "الأنثى" أو علاقات الأطباء في عمل مثل "قلبي معكم"، هذا عدى عن أعمال أخرى مثل "زمن العار" و"سحابة صيف " و"عن الخوف والعزلة "، على سبيل المثال وليس الحصر ، ثم قارنوها بتحذيرات "الواعظين" من الاختلاط، أو برواياتهم الدائمة وقصصهم التي تحمل في النهاية دوما فاجعة.

ربما من حق الدراما أن ترصد "واقعا خاصا"، أو حدثا يستحق الدراسة والقراءة وكتابة قصة عنه، ويحق للدراما أيضا أن ترسم شخصيات خلافية لأبعد الحدود، وننطلق هنا للنقد الثقافي ضمن واقع اجتماعي سيجمع في النهاية الدراما في سلة واحدة مع كل "الأحاديث التراثية"، فالنتيجة عند "المتلقي" واحدة، والصورة الدرامية في النهاية تحمل التعميم عند مشاهد يستمتع بالرصد والتنقل ما بين "عنتريات" الانغلاق الاجتماعي في باب الحارة والشام العدية التي تحمل "البطولة" و "الأصالة"، ثم ينتقل إلى زمن معاصر يحتوى التعقيد والتراكب الاجتماعي الذي يتجسد بـ"الخيانة" أحيانا وبالعلاقات بعيدا عن "الضوء"، وفي قدرات "سائق تكسي" بالاستحواذ على صديقة زوجته.

الدراما السورية في بداية "فورتها" كسرت بعضا من المألوف، وربما حاولت التفوق على منافستها "المصرية" عبر الأداء الفني، لكنها على ما يبدو فشلت في تشكيل "بصمة" ثقافية خاصة بها، فانتقلت ما بين "الفانتازيا" و "التاريخ" ثم موجة "التراث" وانتهت إلى "الأعمال الواقعية" دون أن يجمع كل هذا التنوع "قلق ثقافي" واضح، حتى عندما نصل إلى نقطة من التركيز على مسائل هامة بلا شك في العلاقات الاجتماعية، لكنها تصب في "وعاء ثقافي" يجمع التراث مع الفنون الحديثة، فإننا سنبدأ بمشاهدة الدارما من زاوية أخرى.

"العلاقات الاجتماعية" تبدو محورا أساسيا في التعامل الدرامي من خلال أعمال ربما ستعرض على مدار العام، رغم حشرها كلها في رمضان، وهي تحتاج لقراءة مفصلة، فالنظرة الأولية لها هي مجرد انطباع وسط "ازدحام درامي"، لكنه متواكب مع تركيز ثقافي أيضا على رمضان، وربما على "تاريخية" هذا الشهر التي تنفصل عن معناه الديني، فالدراما تظهر وسط استرجاع ثقافي لكل ما هو موروث في "شهر رمضان" وتبدو وكأنها تذكير لنا بأن حياتنا ماتزال تنتظر "التحول الثقافي"... أو حتى "الانتقال" المعرفي.