الجامعة العربية وفي اجتماع مجلسها قبل أسبوع وضعت الدور التركي في مساحة جديدة، حيث شهدنا انتقالا واضحا بين الاعتراض على بعض الأدوار الإقليمية، والمقصود هنا إيران، إلى فتح الشرق الأوسط خارج الجبهات الكلاسيكية التي كانت تتحدث عن مثلث سوري مصري سعودي، أو كما حدث لاحقا في رسم المنطقة على قاعدة الممانعة والاعتدال، والواضح أن أنقرة لا تبحث عن "وساطة" داخل الأزمات، بل هي تحاول تكريس آلية لتعاملها على المستوى الدولي كلاعب يتجاوز "الموقع الإقليمي".
ما تريده تركيا اليوم هو "نبش" الأزمات الموجودة وربطها بـ"عملية" تجعلها جزء من آلية الحل، فالمهم بالنسبة لها ليس "التوصل إلى تسوية" بل أيضا اعتبارها جزء من هذه الحركة، فإذا كان صحيحا أن المواقف التركية شهدت تطورا منذ ظهور حزب العدالة والتنمية، لكنها في نفس الوقت انتقلت بحكم انتهاء الحرب الباردة، وربما ظهور إستراتيجية الحرب على الإرهاب إضافة لمشاكلها مع الاتحاد الأوروبي للبحث عن هوية دورها الجديد.
وبالطبع فالأمر بالنسبة لأنقرة "معقد" لأبعد الحدود، لأن سياستها الواقعية فرضت عليها أمرين اثنين:
الأول هو القبول بكونها تجاور كافة الأزمات الدولية من الملف النووي الإيراني وصولا إلى أزمة "عملية التسوية، وإذا كان دورها السابق يفترض نوعا من "الحيادية تجاه التوتر الذي يحيط بها، فإنها من تحول الحرب الباردة إلى "حروب داخل المجتمعات" منذ مطلع الألفين، انتقلت إلى موقع يبحث من جديد عن توازن بين كافة العوامل المؤثرة على الشرق الأوسط، فهي تنتقد "إسرائيل" لكنها مستمرة في التعاون معها في مجالات مختلفة، وهي أيضا مستاءة من الموقف الأوروبي تجاهها إلا أنها ملتزمة مع حلف الناتو.
الثاني بمبدأ التواجد الأمريكي القوي في المنطقة، وهو يحد من طبيعة حركتها، فهي عارضت احتلال العراق، وجسدته في موقف سياسي بالدرجة الأولى، لكنها كانت تعرف أن الجبهة الشمالية للعراق لا تملك أهمية نتيجة "الاستقلال الكردي" فيها والمحمي سابقا بموجب اتفاقات بين الدول التي العراق.
هذا الواقع يطرح مجموعة تساؤلات حول ما يمكن أن تفعله تركية في الأزمة بين العراق وسورية، على الأخص أن القمة اليوم في اسطنبول يمكن ان يظهر عنها تأسيس مجلس تعاون استراتيجي، لكنه بالتأكيد لن يكون مثل المجلس الذي أعلن عنه بعد زيارة المالكي إلى دمشق، لأن هناك إرادة تركية في الدخول إلى عمق المعادلة الإقليمية، فأهميته العملية هي في انتقال العلاقة بين البلدين إلى مستوى إستراتيجي يقرر أرضية مشتركة لحل الأزمات على المستوى العملي أو المواقف المعلنة.
في تركية اليوم أكثر من مجرد الصراع بين القوى السياسية الموزعة حسب بعض التقسيمات بين "علمانية" أو "دينية"، فالموقع العلماني لتركية ربما لن يتبدل بهذه السهولة، لكن موقعها السياسي هو المقصود ما بين المحافظة على شكل التوازن الذي ظهر مع سقوط السلطنة مع التوجه إلى أوروبا، أو العودة إلى واقعها الجيوبولتيكي القديم كمعبر "سياسي" و"اقتصادي" داخل العالم القديم....