عجلة السياسة لم تتوقف كثيرا عند مسألة العلاقات بين أنقرة ودمشق، لأن هذا التحول في قوس أزمات الشرق الأوسط يمكن أن يظهر في نوعية الحدث وليس في ردود الفعل المباشرة، فإذا كان متوقعا لهذه العلاقة استيعاب نتائج العديد من الأزمات لكنها في المقابل خلطت الأوراق من جديد بالنسبة لعدد من القوى الإقليمية.

وبالطبع فإن انعكاس هذه العلاقة يشهد للمرة الأولى نوعا من الواقعية التي تبحث بالدرجة الأولى عن الداخل السوري والتركي، وذلك بغض النظر عن نوعية الأدوار الإقليمية التي يجري الصراع عليها على امتداد الشرق الأوسط، فهناك مهام وظيفية واضحة على الأقل فيما أعلن عنه او حتى في الإجراءات التي تلت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى اسطنبول.

مهام هذه العلاقة رغم وضوحها لكنها في نفس الوقت ستشكل "عتبة" إستراتيجية بالنسبة لتركية التي انغمست في أزمات المنطقة، لكنها تملك اليوم حزمة متكاملة من "الملفات" التي يمكن أن تصبح نقطة انطلاق في إعادة توزيع الأزمات وحتى الأدوار، وعاجلا أو آجلا ستجد البلدين أنهما يواجهان مواقف تضعهما ضمن خط واحد، وتشابك هذه الملفات سيفرض على الأقل إيجاد خط يمكن أن يتم عبره البحث في هذه "الهموم".

تبدأ هذه "الهموم" في المواجهة الدولية مع الأزمات، فتركية مضطرة لممارسة "توازنها" المعتاد مع باقي دول الشرق الأوسط، التي لا تخفي انزعاجها من الدخول القوي لأنقرة في ملفات المنطقة، إضافة لقدرتها على التحرك بسهولة عبر هذه الملفات بممارسة سيادة واضحة دون أن تدخل في صراع مع "الجبهات" الكلاسيكية، لكن هذا الأمر ربما لن يستمر طويلا، فالعديد من الأطراف لم تعد تنظر إلى الجانب التركي على أنه "غير منحاز"، والدبلوماسية التركية نجحت حتى اللحظة في تجنب المطبات التي ظهرت لجعلها على طرف دون آخر، لكن بحثها عن هذا التوازن سيدخل في اختبار حقيقي اليوم بعد أن أصبحت علاقتها مع دمشق ضمن إطار جديد.

والواضح اليوم أن التصعيد العراقي بعد اللقاء الثلاثي الذي حدث نهاية الأسبوع الماضي بين وزراء خارجية سورية والعراق وتركية، يمثل نوعا من الرسم الجديد لقطع أي طريق على استيعاب الأزمة إقليميا، وبالتالي فرض أمر واقع على سورية وتركية في عملية تدويل الأزمة، وتوازن أنقرة سيستمر رغم هذه الأزمة لكن حركتها الدبلوماسية ستبدو أكثر حرصا على إيجاد اختراق في أمور اخرى ربما تكون على صعيد التسوية أو حتى في الموضوع اللبناني.

التصرف السوري والتركي من الصعب قراءته بشكل كامل لأننا أمام حالة جديدة كليا، وهي تحمل تحديا ولكنها في نفس الوقت تشكل خروجا من نوعية الحلول التقليدية التي استمرت طوال العقدين السابقين.