هو بالفعل تحرير للإنسان كما تقول الدكتورة خالدة سعيد، فالمسألة لم تكن يوما استعراضا، أو تحيزا لظهور المرأة وكأنها الكائن المغبون بشكل أبدي، لكننا في النهاية سنقف عند حدود كتابها الجديد الذي يضع مسألة المرأة داخل مساحة جديدة، أو ربما قديمة لكنها مغيبة بفعل "رمادية" البحث في حرية الأنثى.
الكتاب الذي لم أقرأه بعد لأنه لم يتوفر بعد في المكتبات يطرح من عنوانه الأسئلة التي بقيت على امتداد قرن كامل من البحث في الحرية، حيث نواجه الكم الهائل من "التشويش" الذي يدخل في إطار مختلط من الدين والتراث، أو من الصورة التقليدية للمرأة والضجيج الذي يظهر عبر حركة حريتها، والكتاب حسب عرض سريع نقلته جريدة الأخبار اللبنانية يضعنا أمام "النصوص" مباشرة كي نحاول أن ننظر إليها بشكل أكثر عقلانية.
الدكتورة خالدة سعيد قالت للأخبار:" على النساء أن يعبِّرنّ وبكثافة عن عالمهنّ. بإمكان التعبير أن يجرف كل القهر والمكبوتات. الكتابة تُخرج هذه المكبوتات إلى العلن من جهة، والكتابة فعل تحرير من جهة أخرى. يضمُّ كتابي شاعرات وفنانات وباحثات... الإبداع نضال من نوع مختلف. لعله أبطأ وأقل جلبةً من النضالات النسائية الدارجة، لكنه أكثر حفراً في الوعي".
هذا التعبير الذي تطالب به خالدة سعيد يضعنا أمام المواجهة الحقيقية في رسم الأنثى، أو صور الآخرين داخلها، ليس بوصفها "جنسا آخر"، بل من موقع "الإنسان" الذي يحمل زمنه الخاص، أو صورة نمطية موجودة عند الآخر، وربما محفورة من خلال ثقافة مستمرة ومترابطة مع أشكال تاريخية عديدة، فأن تعبر عن نفسها أو تخرج المكبوت ليس شأناً استعراضيا بل إبداعيا لأقصى الحدود، لأنه ينقلنا لحركة انسانية من خلال تراثها النفسي الذي حملته معها طوال القرون الماضية.
في البدء كان المثنى لأن ضلع الرجل لا يختلف عن ضلع الأنثى، والمعرفة لم تظهر وفق "المرويات التوراتية "من خلال انفصالنا عن الذكر، بل نتيجة لقائنا به ولقائه بنا، وعندما نحاول أن نرسم مساحة الحرية التي تلعب داخلنا واختناقها أمام عوالم تحاول أن تضعنا في إطار واحد، فإننا نكتب في الواقع روايات فريدة، سبقتنا إليها الكثيرات أو قدمن تجربة خاصة لكنها لم تحفر في الوعي أكثر من كونها ومضة تبقى في ذاكرة البعض.
المسألة ليست أدبا نسويا، لكنها فعل حرية متكامل يعيد رسم الحياة على شاكلة اللقاء بين الجنسين، وينقل حرية المرأة إلى بعدها الحقيقي كحرية للإنسان أولا وأخيرا.