ليست سابقة أن ينفجر الوضع الأمني في العراق، لكن المقلق أن مسألة الرهان على قتل المدنيين أصبحت على ما يبدو الورقة الوحيدة في الصراع الدائر اليوم، على الأخص أن الولايات المتحدة تتحدث عن انسحاب قواتها، والمهام الأمنية أصبحت بمعظمها بيد الحكومة العراقية، بينما يبقى المشهد الدموي شاهدا على أن احتلال العراق ربما سيبقى حتى ولو قرر الرئيس الأمريكي سحب قواته.

وبالطبع فإن ما حدث بالأمس سيدفعنا مجددا لقراءة المستقبل بعيدا عن الهدوء الذي ساد منذ نهاية ولاية بوش، فهو لا يوحي بأن الصراع العراقي قائما، بل أيضا بأن شكل المنطقة الذي لفها العنف في السنوات الماضية هو مشهد قابل للتكرار حتى ولو ظهر على سطح العملية السياسية بوادر حوار دولي، أو انشغلت الإدارة الأمريكية بحربها في أفغانستان، فالمهم هنا أن أدوات الحرب على المنطقة مازالت موجودة، وأصابع الاتهام تشير إلى تشكيلات كلاسيكية اعتدنا سماع اسمها في كل تفجير أمني يحصد مزيدا من الضحايا، فهل علينا أن نسأل عن المشهد القادم؟!!

ربما يبدو غريبا أن ينفجر الوضع العراقي تزامنا مع ما سمي انفراجا إقليميا، لكن الأمر يبدو أبعد بكثير من مسألة "الانفراج" المزعوم، لأن الأزمة ماتزال قائمة وتفكيكها لا يظهر ضمن أولويات "قوات الاحتلال" التي تظهر اليوم وكأنها طرفا محايدا وليس محتلا، فالتفجير الأمني متواكب أيضا مع حديث في الكواليس عن حوار تم فتحه مع طالبان، أو ربما يفتح، بهدف تسهيل المهمة السياسية في أفغانستان، وهو أيضا مترافق مع تفجيرات أمنية إقليمية إن صح التعبير، من الحرب في وزيرستان، إلى الانفجار الذي حدث في منطقة سيستان بإيران، وربما إلى الصراع الدائر باليمن، وبمعنى آخر فإن المنطقة بمجملها تشهد "حربا" من نوع آخر فيها نوع من "لي الذراع" لمختلف الأدوار الإقليمية والعراقية الداخلية، فحتى اتهامات المالكي المتكررة لسورية تدخل في إطار هذه الحرب.

عمليا فإن الاتهامات ستنطلق قريبا دون ان يؤدي هذا الأمر إلى تحديد الأزمة أو "محاصرة" المتهمين، لأننا في الواقع نشهد المرحلة الثانية من "تاريخ الاحتلال"، وهي المرحلة التي يمكن فيها استخدام الوضع العراقي للتأثير في المشهد الإقليمي بشكل كامل، ومن الممكن ملاحظة أمرين:

الأول هو ان "الأزمات" أصبحت عالقة، فكل التحرك السياسي إقليميا لم يحصد نتائج داخل هذا الأزمات بما فيها الموضوع العراقي، وإذا كان التحريك لهذه الأزمات صعب في لبنان وفلسطين فإن المدخل العراقي يبدو سهلا، وهو أيضا يمكن أن يمس الجبهة الإيرانية أيضا التي يبدو أنها أصبحت محاطة بملفات "مجمدة".

الثاني أن العراق اليوم مغيب عن "الخلافات" الإقليمية وذلك بدافع "الاحتلال"، فهو منطقة صراع خفي أيضا تتعامل معه واشنطن كمساحة اختبار أساسية للمشهد الإقليمي والمستقبلي وحتى لعلاقاتها مع دول جوار العراق.

الرهان العراقي منذ الاحتلال ظهر عنيفا وسيبقى كذلك، لكن الأخطر هو أنه أصبح متلازما مع لغة سياسية مختلفة، فيبدو وكأن نتائج الاحتلال انتهت ودول الجوار أو حتى بعض الأطراف العراقية الداخلية هي المسؤولة، بينما تظهر الولايات المتحدة الطرف "البريء" الذي يريد سحب قواته، و "يأسف" لتدهور الوضع الأمني، ويخرج بعيدا وكأنه غير متواجد على أرض العراق!