المحطات الدولية لكل من سورية و "إسرائيل" أوضحت ان مسائل الحرب والسلام لا توجد ضمن مساحة واحدة، وأكثر من ذلك فإن "طموح" التسوية يختلف وفق التفكير الخاص على طرفي الصراع، فما حدث في فرنسا خلال زيارة الرئيس بشار الأسد يظهر "كشفا" لآفاق التسوية التي ستبقى متعثرة ليس بسبب وجود حكومة متطرفة تسعى للاستيطان، بل أيضا للتناقض الحاد في رؤية "السلام"، وهو أبر برز من خلال تصريحات الرئيس السوري على كلام نتنياهو الذي يريد السلام "دون شروط" مسبقة، وهذه الشروط كانت مجال الرد السوري الذي اعتبر ان المسألة تلاعب بالألفاظ، وأن دمشق لديها حقوق وليس شروطا مسبقة.

هذه الصورة في عمقها لا تعكس أزمة في مباشرة التفاوض، سواء عبر وسيط تركي أو أمريكي أو غيرهما، بل تقدم استشرافا لكل المسائل التي ستظهر مستقبلا وتوقف التفاوض، أو تتركه في نقطة عائمة لا يمكن تجاوزها، وربما من السهل الحديث عن "عدم وجود شريك إسرائيلي للسلام"، وهي عبارة تم استخدامها من قبل أكثر من طرف عربي طوال عملية التسوية، ولكن الصعب على ما يبدو تحديد ماهية هذا الشريك، على الأخص أن "الشريك" الذي تم اغتياله ربما لن يتكرر "على علاته"، فـ"إسحاق رابين" دفع عمليا ثمن التحويل في "آلية التسوية" فقط، في المقابل فإن "رؤية السلام" بقيت على حالها، وبقي التطرف السياسي الإسرائيلي ينمو بشكل سريع، وأصبح من الصعب مجرد "تخيل" أي هدوء يتيح النقاش لبداية عملية التسوية.

ما حدث في باريس هو محطة أساسية لفهم رؤية التسوية عند طرفي الصراع، فهناك تزامن في الزيارة ما بين مغادرة نتنياهو بعد جولته، ووصول الرئيس السوري الذي كان واضحا ان يحمل معه بداية ترتيب إقليمي يقوي موقفه في الحديث عن مسألة التسوية، لكن "العرض الإسرائيلي" كان وقحا، وعلى ما يبدو مُسلحا بتفهم أمريكي لمسألة الرؤية الإسرائيلية الحالية لأي تفاوض مع العرب، ويمكن قراءة أمرين أساسيين في "رؤية السلام" بعد زيارة الرئيس السوري إلى باريس:

الأول أن مسألة الجولان التي تعتبرها سورية غير قابلة للمساومة لا تشكل على ما يبدو جوهر أي تفاوض مستقبلي، فسورية اعتبرتها حقا وليس نتيجة للتفاوض، فالنتيجة هي السلام أو بمعنى آخر "معادلة إقليمية" تتدخل فيها مسارات التفاوض الأخرى، والرئيس السوري كان صريحا في هذا الأمر، فهناك حقوق يجب أن تعود وهناك "سلام شامل" يمكن الترتيب له عبر المفاوضات.

الثاني مرتبط بمعادلة القوة في المنطقة، وهو ما يجعل سورية متمسكة بمسألة الدور التركي، رغم معرفتها المسبقة أن الدور الأمريكي هو الأقدر في التأثير على "إسرائيل"، لكنها في المقابل مهتمة بزج الدول الإقليمية في معادلة السلام الجديدة، لأنها وحدها قادرة على ضمان معادلة سياسية خارج "معادلة القوة العسكرية" التي تتبناها "إسرائيل"، فالمفاوض التركي هو في النهاية شريك في رسم المنطقة في حال بدأت عملية السلام.

"إسرائيل" بدورها غير مهتمة بمثل هذا الموضوع، فالمهم بالنسبة لها جعل الأمر الواقع الذي تفرضه يوميا داخل الأراضي المحتلة جزء من أي آلية سياسية مستقبلية، وهو ما يجعلها تعيد رسم التسوية كل أربع سنوات وفق المتغيرات التي حدثت على الأرض، وعلى الأخص مسألة الاستيطان، إضافة إلى كسر الحاجز النفسي مع "النظام العربي" نفسه المستمر في عرض مبادرته رغم تحول الظروف في المنطقة.

عمليا فإن "مسألة السلام" متناقضة حتى اللحظة مع "آلية التسوية" المعتمدة، وهو أمر انكشف أكثر من مرة، لكنه ظهر في باريس بشكل "الفاقع" لأنه على ما يبدو كان محور اهتمام سياسي من قبل باريس وأيضا من قبل الإعلام الفرنسي الذي أراد على ما يبدو فتح الأسئلة حول هذا الموضوع.